للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو للاستحباب؛ إذ وظيفتنا أن نقول: سمعنا وأطعنا ونستتر، ولكن إذا ابتلينا وخالفنا حينئذ نسأل هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؛ لأنه إذا كان للوجوب كان لابد من التوبة والإتيان به إن أمكن، أو ببدله إذا لم يمكن، أو الاستغفار والتوبة إذا لم يمكن البدل ولا الأصل، وأما قبل ذلك فغرضنا ووظيفتنا القبول، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء والصحيح أنها ليست للوجوب لوجود قرائن، القرائن هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه ... ". الحديث. إذا صلى إلى شيء يستره، وهذا يدل على أن الإنسان قد يصلي إلى ذلك الساتر، وقد لا يصلي.

ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في منى، فمر ابن عباس رضي الله عنهما راكبا على حمار قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار. قال أهل العلم: أي إلى غير سترة؛ لأن الجدار انتفاؤه معلوم في منى في ذلك الوقت؛ إذ ليس في منى بناء إطلاقا فلا حاجة إلى الاحتراز منه، وهو أصلا غير موجود فيكون مراد ابن عباس: إلى غير جدار، أي: إلى غير سترة، وهذا يدل على عدم وجوب السترة، وإن كان فيه احتمال أنه يريد إلى غير جدار أنه يستتر بالعنزة، لكن الذي يظهر أن مراد ابن عباس نفي وجوب السترة، وإذا تعارضت الأدلة فلا شك أن الاحتياط الفعل، لكن تأثيم الإنسان بالترك إلى دليل واضح.

ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة مشروعة لكل مصل حتى النافلة حتى المأموم مع الإمام، أما المنفرد والإمام فهو واضح لكن يقال: إنه وردت استثناءات، فالسترة بالنسبة للمأموم غير مشروعة؛ لأن الصحابة لم يكونوا يتخذونها خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن سترة الإمام سترة لمن خلفه. فإذا كانت سترة لمن خلفه كان اتخاذ المأموم سترة من باب التعمق في الدين والتنطع فيه، لكن يبقى السؤال: إذا كان المأموم مسبوقا فهل يتخذ السترة لما بقي من صلاته؟ الظاهر لا يحتاج إلى حركة، مشروعيتها مشكوك فيها، وإذا كان كذلك فالأولى ألا يتخذ سترة، لكن له أن يرد من يمر بين يديه في حال قضاء ما فات.

ومن فوائد هذا الحديث: أن السترة تصح بالصغير والكبير لقوله: "ولو بسهم".

ومن فوائده: أن السترة الكبرى أفضل من الصغرى؛ لأن قوله: "ولو بسهم" يفيد التقليل يعني: على الأقل بسهم، فهل تجزئ السترة بما دون السهم؟ سيأتينا - 'ن شاء الله تعالى- في آخر الباب أنه يجزئ الخيط، والخيط ليس بسهم وليس بشيء قائم، فيكون المراد بقوله: "ولو بسهم" أي: فيما إذا كانت السترة قائمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>