للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيتها"؛ لأنه إذا جعل على الباب فإنه يمنع من مشاهدة ما وراءه" وقوله: "بيتها" أي: بيتها الذي هي ساكنة فيه، وسيأتي الخلاف ها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ملك لهم أو أضيفت البيوت إليهن باعتبار السكنى فقط لا باعتبار الملك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "

أميطي عنا قرامك هذا" أميطي بمعنى: أزيلي، ومنه الحديث: "تميط الأذى عن الطريق صدقة". أي: تزيله، "فإنه" أي: القرام "لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" بمعنى: أنه - عليه الصلاة والسلام- ينظر إلى هذه التصاوير التي فيه، والمراد بالتصاوير هنا: مجرد النقوس وليست تصاوير الحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها حين رأى النمرقة التي بها الصورة أن تمزقها، واتفقا - أي: البخاري ومسلم- على حديثها، أي: حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم، وهذه الأنبجانية كان أبو جهم رضي الله عنها أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خميصة، والخميصة كساء معلم له أعلام، ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعلامها نظرة واحدة، فلما انصرف من صلاته أمر أن ترد الخميصة إلى أبي جهم، وأن تؤخذ منه الأنبجانية وهي كساء ليس فيه خطوط وهو أيضا فيه نوع من الغلظة، وفيه: "فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي". ألهتني؛ أي: شغلتني عن صلاتي، أي: عن الإقبال عليها بالقلب.

في هذا الحديث فوائد؛ منها: جواز ستر البيت بالقماش، وجه هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة على ستره، لكنه أمرها أن تميطه من أجل أنه يشغله في صلاته، وهذا مقيد بما إذا لم يصل حد الترف فإن وصل إلى حد الترف دخل في النهي المستفاد من قوله - تبارك وتعالى- {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: ٣١]. فإن كان لحاجة كأن يكون الجدار بارزا ويكسى بالقماش لتوقي برودته في الشتاء وحرارته في الصيف، فهذا جائز ولا إشكال فيه؛ وذلك لأنه قد علم أن كسوة الجداران بالقماش تجعله لطيفا؛ أي: تجعل الجدر لطيفة لا تكون شديدة البرودة في الشتاء ولا شديد الحرارة في الصيف.

ومن فوائد هذا الحديث: إضافة البيت الذي تسكنه عائشة إليها لقوله: "بيتها"، فهل هذا البيت ملك لها، أو أنه أضيف إليها لأنها ساكنة فيه؟ الظاهر الأول أنه ملك لها، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي بقيت النساء في بيوتهن، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث. ولو كان ملكا له - أي: للرسول - لم يرثنها؛ أي: لم ترث المرأة بيتها التي هي ساكنة فيه.

فإذا قال قائل: إذا قلتم بأن بيت ملك له فيرد عليه إشكال، وهو هل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>