للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول بالتحريم أولى, والمذهب أنه مكروه وليس بمحرم؛ لأنه في الحقيقة في منزلة بين منزلتين, لكن الذي يظهر أنه محرم للتعليل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «فإن المساجد لم تبن لهذا» , ويمكن أن تحصل المصلحة بإنشادها عند باب المسجد يصوت بأعلى صوته ويسمعه أهل المسجد أو الذين يخرجون منه رويدًا رويدًا.

وهل يحرم ما يفعله بعض الناس اليوم: إذا وجدوا شيئًا علقوه في قبلة المسجد؟ الجواب: هذا لا بأس به؛ ففيه مصلحة من جهة أن صاحبه يجده وانتفاء مضرة, لكن هذه المسألة يخشى منها شيء وهو أن يأخذ هذه اللقطة غير صاحبها ولاسيما إن كانت مفاتيح أو أشياء خطيرة, فإذا خشي هذه المفسدة فالأولى أن يجتمع أهل المسجد أو أهل الحي, ويجعلون اصطلاحًا بينهم: أن من وجد شيئًا في المسجد يسلمه إما للمؤذن وإما للإمام, وقدرت جرت عادة الناس عندنا من قبل على هذا إذا وجد الإنسان شيئًا في المسجد أعطاه للمؤذن, وإذا ضاع لإنسان شيء في المسجد ذهب إلى المؤذن رأسًا, وهذا أحسن من أن يعلق.

من فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز إحداث شيء في المساجد ينافي ما بنيت له لقوله: «فإن المساجد لم تبن لهذا» , ولكن هل يجوز أن يضع أهل الحي الطعام في المساجد عند الإفطار, أو عند عيد الفطر؛ لأنه في الأعياد جرت عادة بعض الناس أن أهل الحي يجتمعون كل واحد منهم يأتي بطعام ويجلسون عليه جميعًا, فهل يجوز أن يجعل ذلك في المسجد؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا فيه خير وإحسان, والأكل في المسجد من حيث هو ليس حرامًا, ولا ينافي ما بني المسجد له, اللهم إلا إذا كانوا يأتون بالغداء أو العشاء في وقت يجتمع الناس فيه للصلاة حينئذ يمنعون من أجل مراعاة الناس.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقرن الأحكام بعللها, وقرن الحكم بعلته يفيد ثلاث فوائد:

الأولى: زيادة طمأنينة النفس؛ لأن الإنسان متى علم من الحكم ازداد طمأنينة, والنفس البشرية لا شك أنها عندما يحصل لها زيادة علم فإنه أبلغ في الطمأنينة, كما قال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} قال الله له: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: ٢٦٠]. ولهذا نجد الصحابة أنفسهم وهم أشد الناس إيمانًا وأقواهم إيمانًا بالرسول - عليه الصلاة والسلام - يسألونه عن بعض الأشياء التي تخفى عليهم, لما وضع الجريد على القبرين اللذين يعذبان ماذا قالا؟ قالا: لم صنعت هذا يا رسول الله؟ فأخبرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>