للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبني على ظن، والظان قد يتوهم، وأيضًا حديث أبي سعيد انفرد به مسلم، وحديث أبي قتادة أخرجه الشيخان، فهو أقوى سندًا وأقوى دلالة، وعلى هذا حكم أصحابنا فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - في هذه المسألة، وقالوا: إنه يطيل في الأولى ويقصر في الثانية بدون تفصيل، والأمر في هذا واسع - والحمد لله - إذا زاد إذا تساوت الركعتان، وإن طالت الأولى فهو المفضل لما ذكرنا من الوجهين من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة.

من فوائد حديث أبي سعيد: أن صلاة العصر تكون أكثر من صلاة الظهر؛ لأن الأولى من ركعات العصر على قدر الأخيرة من ركعات الظهر، وهذه الفائدة لم توجد في حديث أبي قتادة، ووجهه ظاهر وهو ما بينته لكم من جهة أن الناس محتاجون بعد العصر إلى البيع والشراء وما أشبه ذلك، الناس في صلاة الظهر مشغولون فلا يحضرون في أول الوقت؛ حيث إنهم مشتغلون في فلائحهم وأحوالهم، فناسب أن تطال الركعة الأولى في الظهر حتى يتمكن البعيد من إدراك الركعة الأولى.

ومن فوائد الحديثين: بيان تمام سياسة الشريعة الإسلامية، وأن الشريعة الإسلامية بكل ما تحمله معنى هذه الكلمة؛ سياسة الناس في عباداتهم، وسياسة للناس في معاملتهم، وسياسة للناس في علاقتهم التي تسمى في عصرنا (الدبلوماسية)، ومن فصل السياسة عن الشريعة فقد أخطأ خطأ عظيمًا. كل الشريعة سياسة، كل الشريعة أعلى أنواع الدبلوماسية؛ لأنها من عند الله عز وجل، هو الذي شرعها للعباد ورتبها لهم غاية الترتيب، وسبحان الله كيف يقول القائل: إن الشريعة الإسلامية أثبتت السياسة بين الرجل وبهيمته: لا تحمل البهيمة فوق ما تطيق، ولا تمنعها من العلف والشراب، ولا تبيتها في مكان حار في أيام الصيف؛ فيقتلها الحر، أو في أيام الشتاء فيقتلها البرد، هذه سياسة، فكيف لا تبرم وتبين وتثبت السياسة بين الدول، وأقرأ سورة (براءة) تجد غاية ما يكون من السياسة في العلاقات بين الدول الكافرة والدول المسلمة، لكن لما ضيقت الكنيسة الخناق على الناس في العبادة، ورأوا أنهم لا يستطيعون أن يجمعوا بين الدنيا والآخرة فصلوا الدين عن السياسة، وجعلوا للسياسة مجرى وللدين مجرى آخر.

وكذلك أيضًا قالوا في الاقتصاديات مع أن الشرع منظم لها غاية التنظيم، ألم ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال؟ ألم يقل الله عز وجل: {وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١]؟ ، ألم يقل النبي - عليه الصلاة والسلام-: "لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه"، وما أكثر الأمثلة على هذا، لكن في الحقيقة أن كثيرًا من الباحثين - ولاسيما العصريون - عندهم

<<  <  ج: ص:  >  >>