للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوساطه ما بين ذلك؛ ولا يضر أن يكون في أوساطه ما هو طويل وفي قصاره ما هو طويل أيضًا؛ لأن العبرة بالغالب والأكثر.

"قال أبو هريرة رضي الله عنه ما صليت وراء أحد أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا". إذن فالأفضل على العموم أن تكون قراءة الإنسان في الفجر بطوال المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بأوساطه، وكذلك في الظهر والعصر، فثلاث صلوات تكون بأوساط المفصل، وصلاة بطواله، وصلاة بقصارها هذا هو الغالب، وقد يكون الأمر بالعكس، ويدل على تطويل القراءة في الفجر أن الله تعالى عبر عنها في القرآن، فقال - تبارك وتعالى -: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وقُرْآنَ الفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨]. أي: وأقم قرآن الفجر، وهذا يدل على أن القرآن في الفجر ذو شأن كبير، ولذلك عبر عن الصلاة به هذا هو الغالب، وإن خرج الإنسان على الغالب وقرأ بطواله أو أوساطه في المغرب فا بأس، فقد قرأ النبي فيها بسورة الطور، وبسورة المرسلات، وبسورة الأعراف، كذلك لو قرأ في صلاة الفجر بقصاره فلا بأس، لاسيما إذا كان لسبب كان يكون الإنسان في سفر أو مريضًا أو ما أشبه ذلك.

٢٧٨ - وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور". متفق عليه

سمع ذلك وهو أسير من جملة أسرى بدر رضي الله عنه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بسورة الطور في صلاة المغرب يقول رضي الله عنه: فلما بلغ قول الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ (٣٥)} [الطور: ٣٥]. كاد قلبي يطير لقوة هذا الدليل المفحم المقنع حتى دخل الإيمان في قلبه، ثم اطمئن الإيمان في قلبي بعد ذلك؛ لأن هذه الآية دليل واضح على أن الخلق حادث بعد أن لم يكن وأن الذي أحدثه هو الله؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يقول: أنه حادث من غير شيء، إذ أن الدليل العقلي يقتضي أن كل حادث له محدث؛ لأنه كان عدمًا ثم حدث فلابد له من محدث، ولا يمكن أن يقول قائل: إن الشيء أحدث نفسه بنفسه؛ لأنه قبل الحدوث كان عدمًا، والعدم لا يحدث شيئًا، فتعين الآن أن هناك محدثًا ليس بحادث هو الله عز وجل، وهذا من الأدلة التي تسمى بالسبر والتقسيم؛ يعني: أن نحصر الأشياء الممكنة ثم نقول: أهذا أو هذا أو هذا، حتى نصل إلى البرهان، ومثل ذلك قول الله - تبارك وتعالى - فيمن أعطاه الله مالًا وولدًا: {وقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا ووَلَدًا} قال الله له: {أَطَّلَعَ الغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: ٧٧ - ٧٨]. والجواب: لا هذا ولا هذا؛ فإذن هو كاذب في أمله حيث قال: {لأُوتَيَنَّ مَالًا ووَلَدًا} ولذلك قال عز وجل: {كَلاَّ} يعني: لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عهدًا عند الله {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ونَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدًا} [مريم: ٧٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>