للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيتموني أصلي"، ولكن هل هذا خاص بالنافلة وبالتهجد؛ لأن السنة فيهما الإطالة أو هو عام؟ نقول: أما في السورة التي وقع فيها ذلك فلا شك في ثبوتها، بمعنى: أن الإنسان إذا قام يتهجد فليسأل عند آية الرحمة، وليتعوذ عند آية الوعيد، وليسبح عند آية التسبيح؛ لأن هذا مطابق للسنة تمامًا، وأما الفريضة فقد يقول قائل: ما ثبت في الفريضة يثبت في النافلة إلا بدليل، وما يثبت في النافلة يثبت في الفريضة وهذا صحيح، لكن قد يعارض هذا الأصل أن الناقلين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الفريضة لا يذكرون أنه يقف عند آية الرحمة، ولا عند آية الوعيد، ولا عند آية التسبيح فالظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يفعل ذلك في الفريضة، والفرق بين صلاة الليل والفريضة ظاهر؛ لأن صلاة الليل تستحب فيها الإطالة ولأن الإنسان إما أن يصليها وحده، أو يصليها معه من يكون متابعًا له أطال أم قصر، والفريضة ليست كذلك يصلي معه ناس، وأيضًا قد لا يحبون أن يطيل ووقوفه عند آية الرحمة وآية الوعيد وآية التسبيح قد يكون فيه إطالة عليهم، ولهذا ذهب بعض الفقهاء رحمهم الله- إلى أن الوقوف عند آية الوعيد أو الوعد أو التسبيح في التهجد سنة وفي الفريضة مباحة، بمعنى: أننا لا ننهاه ولا نأمره بذلك وهذا هو الظاهر أن الإنسان لو فعله في الفريضة ولاسيما إذا صادف آخر القراءة فلا ينهى عنه، لكن لا نقول: إنه ينبغي أن تفعله بخلاف صلاة الليل.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في القراءة إذا كان إمامًا في صلاة الليل وكذلك في الدعاء والتسبيح لأن حذيفة يسمعه، ولا يمكن أن يسمعه إلا إذا جهر، لكن الجهر ليس رفيعًا.

ومن فوائد هذا الحديث: تمام عبودية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يسبح ربه عز وجل إذا مررت به آية تسبيح ولعمر الله إنه للأشد الناس وأقواهم عبادة لله عز وجل.

ومن فوائد هذا الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى ربه- تبارك وتعالى- كما أن غيره مفتقر إلى الله وأدلة هذا كثيرة جدًا، حتى إن الله أمره وقال: {واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ولِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: ١٩].

ويتفرع على هذه الفائدة الرد على من قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم يدفع الضرر عمن استغاث به في قبره، وهم بذلك مشركون لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حيا لقاتلهم؛ لأنه هذا هو الشرك أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم يغيثهم من الشدة وهو في قبره، لكن الهوى- والعياذ بالله- يعمي ويصم، وما أيسر أن نقول لهؤلاء الجهال المشركين: اقرءوا قول الله تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>