للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلام وأوصاف، فهي من حيث دلالتها على الذات أعلام، ومن حيث دلالتها على المعنى أوصاف، فـ"محمد" اسم مفعول من حمدت، وجاء بلفظ التشديد للمبالغة لكثرة الخصال التي يحمد عليها صلى الله عليه وسلم.

"اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد" من هم آل محمد؟ قال بعض العلماء: آل الرسول صلى الله عليه وسلم هو أزواجه وقراباته، وقال آخرون: بل آله: أتباعه على دينه، والصحيح: أن "آل" من الكلمات المشتركة التي تصلح لهذا ولهذا، فإن قيل: آل: أصحابه وأتباعه، فالمراد بـ"الآل": الأقارب لكن المؤمنون منهم، لأن غير المؤمن من قرابة الرسول- عليه الصلاة والسلام- ليس من آله، بدليل أن الله قال لنوحٍ لما قال: {إن ابني من أهلي} [هود: ٤٥]. قال: {إنه ليس من أهلك} [هود: ٤٦]. وعلى هذا فآل النبي إذا جيء بالآل والأصحاب والأتباع صار المراد بالآل: الأقارب المؤمنون، وصار المراد بالصحابة: أصحابه، وبالأتباع: كل من تبعه إلى يوم القيامة، وأما إذا جاءت "آل" مفردة فإنها للأتباع على الدين، والآل تطلق على الأتباع على الدين وإن كانوا غير قرابة، قال الله تعالى: {ويوم تقوموا الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: ٤٦]. يعني: أتباعه على ما هو عليه من الباطل.

وقوله: "كما صليت على إبراهيم"، هذه الكاف كثر خوض العلماء فيها وأوردوا إشكالًا، فقالوا: "كما صليت" المعروف أنه المشبه أدنى من المشبه به، وهنا ضبه الصلاة المطلوبة لمحمدٍ- عليه الصلاة والسلام- بالصلوات التي كانت على إبراهيم، ومعلوم أن محمدًا- عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق عند الله- سبحانه وتعالى-، فكيف تطلب صلاة دون الصلاة على إبراهيم على هذه القاعدة، ولكن نقول: إن الكاف هنا ليست للتشبيه ولكنها للتعليل، يعني: "اللهم صل على محمد"، لأنك صليت على إبراهيم، وهذا كقوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: ١٩٨]. يعني: لأنه هداكم، وإذا كانت للتعليل صارت الفائدة منها التوسل إلى الله- عز وجل- بإنعامه السابق اللاحق، يعني: فكأنما هذه عادتك وكرمك وإحسانك وقد صليت على إبراهيم، فإنا نسألك أن تصل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وقوله: "إبراهيم" هو أبو الأنبياء وهو مع نوحٍ هما اللذان جعلت في ذريتهما النبوة والكتاب كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} [الحديد: ٢٦]. وبهذا نعرف بأن من قال إن إدريس قبل نوح فإن قوله خطأ؛ لأن الله قال: {وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب}، قال: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده} [النساء: ١٦٣]. فلا نبي قبل نوح، وقوله: كما صليت على إبراهيم، إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو أبو الأنبياء وهو الذي أمرنا باتباع ملته، لأن ملته الحنيفة- عليه الصلاة والسلام- {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النحل: ١٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>