للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله لكن حذفت ياء النداء تيمنًا بذكر اسم الله قبله، وعوض عنها الميم للدلالة عليها، واختيرت الميم دون غيرها من الحروف لدلالتها على الجمع، كأن الداعي جمع قبله على الله- سبحانه وتعالى-.

٣٠٨ - وعن سعدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر". رواه البخاري.

قوله: "يتعوذ بهن: هذا فيه عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبةً، وهو شاذ وقليل كما قال ابن مالك [الرجز]:

وشذ نحو زان نوره الشجر

ولكن ما دام المعنى واضحًا لأنه لا بأس به، يقول: "كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة". "دبر" يحتمل أن يكون معناه: ما بعد الصلاة، ويحتمل أن يكون معناه: آخر الصلاة، لأن آخر الشيء: دبره، فدبر الشيء: هو آخره، وكذلك دبر الشيء: ما بعده، فتسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاةٍ ثلاثًا وثلاثين المراد: ما بعد الصلاة، وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: "اللهم أعني على ذكرك" هذا آخر الصلاة قبل السلام، والمرجح: أن ما كان ذكرًا المراد بالدبر فيه ما بعد الصلاة، وما كان دعاءً فالمراد بالدبر فيه، ما كان في آخر الصلاة، والقرينة التي ترجح ذلك: أن الذكر أمر الله به بعد الصلاة فقال: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا} [النساء: ١٠٣]. فيكون كل ذكر دبر الصلاة يكون بعد الصلاة، وأما الدعاء فإننا نرجح أن دبر الصلاة فيه آخرها، وذلك لقول النبي- عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن مسعود: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، ولأن الإنسان يدعو الله عز وجل في أثناء الصلاة قبل أن ينصرف منها، وإن كان في صلاته كما قال النبي- عليه الصلاة والسلام- "يناجي ربه".

وعلى هذا فيكون المشهور أن يتعوذ من هذه الأشياء في آخر الصلوات يقول: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن" كلاهما شح ومنع، لكن البخل: منع لبدل المال في محله، والجبن: منع لبدل النفي في محله، ولهذا ضد الجبن: الشجاعة، وضد البخل: الكرم، فالبخل هو الذي يمنع ما ينبغي بذله من المال أو من الأعمال أيضًا، ولهذا جاء في الحديث عن النبي- عليه الصلاة والسلام-: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي".

<<  <  ج: ص:  >  >>