للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشبك بين أصابعه كأنه غضبان، والسر في ذلك -والله أعلم- أنه لما لم تكن الصلاة تامة انقبضت نفسه ولم يحصل له الانشراح (صلى الله عليه وسلم)، وهذا من لطف الله بالعبد أنه إذا صار هناك نقص في عبادته ألا ينشرح صدره حتى يأخذ يفكر فيما حصل، ولهذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله كذا وكذا".

فالحاصل: أن من نعمة اله على العبد ألا ينشرح صدره إذا أخل بشيء من العبادات، بل تبقى نفسه منقبضة حتى يرجعها فيما فعل، وهذا من توفيق الله، هذا ما حصل للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكما هو معلوم فإن هناك فئة من الناس يسرعون في الخروج عادة وهم "سرعان الناس" خرجوا من المسجد يقولون: "قصرت الصلاة" وبعضهم يقول: "أقصرت الصلاة؟ " أحدهم يستفهم، والآخر يثبت أنها قصرتّ ما كانوا يظنون أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سينسى ويسلم من ركعتين، والصحابة كلهم مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومع ذلك بم يجتزئ أحد أن يكلمه؛ وذلك لأن الله تعالى قد ألقى المهابة على رسوله (صلى الله عليه وسلم) مع حسن خلقه، لكن له هيبة عظيمة وأخص الناس به أبو بكر وعمر، ولكن مع ذلك هابا أن يكلماه في هذا الأمر الذي يجر قبله مثله، ولكن كان في القوم رجل يدعوه النبي (صلى الله عليه وسلم) "ذا اليدين" لطول في يديه كأنه -والله أعلم- لكون الرسول (صلى الله عليه وسلم) يداعبه ويقول: "يا ذا اليدين" حصل منه أنه يستطيع أن يتكلم، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟

والله إن هؤلاء المناطقة لو أرادوا أن يأتوا بمثل هذه الكلمة وهذا التقسيم العجيب لكتبوا مجلدات، وهذا الصحابي ما قرأ المنطق ولا الفلسفة ولا السبر ولا التقسيم ولا شيء. قال: "أنسيت أم قصرت الصلاة؟ " لا يوجد غير هذا؛ لأنه ما بقي إلا أمر ثالث لا يمكن أن يقع من الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو: أن يتعمد السلام قبل التمام، الشيء الذي يمكن في حق الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو أنسيت أم قصرت الصلاة؟ لو قال قائل: إن القسمة هنا غير حاصلة؛ لأنه إما أن ينسى، وإما أن تقصر الصلاة، وهناك شيء ثالث وهو أن يتعمد أن يسلم من ركعتين بدون أن يقصر الصلاة، ولكن هذا الأخير غير ممكن في حق الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ولهذا هو (رضي الله عنه) ما ذكر الاحتمالين الذين يمكن أن يقعا من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ـ وهذا من كمال الأدب، الاحتمالات واردان يمكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نسي وسلم من ركعتين ظنًا أنها أربع، ويمكن أن الله تعالى نسخ الحكم الأول وأعاد الصلاة على ركعتين على حالها الأول، لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "لم أنس ولن تقصر"، وهذا ولد إشكال عند الناس، والنبي (صلى الله عليه وسلم) منزه من الكذب لا يمكن أن يكذب، وهنا قال: "لم أنس ولم تقصر" ما حصل لا هذا ولا هذا، ولكن الصحابي (رضي الله عنه) لما علم أن نفي النبي (صلى الله عليه وسلم) لتغيير الحكم أمر لا

<<  <  ج: ص:  >  >>