للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى كل حال: الذي يظهر لي أن الاحتمال الثاني أقرب، بمعنى: أن يصلي أربعًا متشابهات، لكن على ركعتين ركعتين ليوافق الأحاديث العامة في أن صلاة الليل مثنى مثنى، ولكن لما كانت هذه الأربعة الأولى متشابهات، ثم يفصل، ثم يأتي بأربع أخرى قالت: "يصلي أربعًا، ثم يصلي أربعً"، فهذا يدل على أن الأفضل للإنسان ألا يزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن إذا كان نشيطًا ومعه وقت فيطل القراءة والركوع والسجود والقعود، وإن كان الوقت قليلًا أو ليس عنده نشاك فليقصر، كما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يفعل، فإنه كان يقوم ويصوم ويترك الصون والقيام- يعني: طول القيام- كل ذلك بحسب حاله، وهكذا ينبغي للإنسان في عبادة ربه أن يعطي النفس حظها، فإذا كلت من عمل معين واتجهت إلى آخر- وكل منهما ليس بواجب- فإنه قد يكون الخير في المفضول، لاتجاه النفس بله وقبولها إياه، فيكون الإنسان في عبادة الله (عز وجل) بسحب انشراح صدره، وطمأنينة قلبه، وهذا في غير الواجبات، أما الواجبات فلابد منها.

وفي هذا الحديث دليل على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تنام عيناه ولا ينام قلبه، فالأشياء المحسوسة ينام عنها، وأما الأشياء التي تتعلق بالقلب فإنه لا ينام عنها، ولذلك لما ساروا في الليل في بعض أسفاره وعرسوا في آخر ولما نزلوا قال: "من يرقب لنا الصبح؟ "، فقال بلال: أنا يا رسول الله، ولكنهم ناموا جميعًا حتى طلعت الشمس، فلم يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بطلوع الفجر؛ لأن عينه تنام، وطلوع الفجر أمر حسي يدرك بالرؤية، وأما الأمر الذي يتعلق بالقلب والعقل فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا ينام عنه، ولذلك قال أهل العلم: أن نوم النبي (صلى الله عليه وسلم) لا ينقض وضوءه، وقال: إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من الشيطان، ولأن الاحتلام لا يكون إلا إذا نام القلب، أما مع يقظة القلب فالاحتلام لا يأتي، وهذا كله داخل في قوله (صلى الله عليه وسلم): "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي"، فما يدرك بالقلب فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لا ينام عنه، وما يدرك بالعين وبالحس فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كغيره من الناس ينام عنه.

[صفات صلاة الوتر]

٣٥٩ - وعنها (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجل في شيء إلا في آخرها".

٣٦٠ - وعنها (رضي الله عنها) قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فانتهى وتره إلى السحر". متفق عليهما.

هذا الحديث الأول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يوتر أحيانًا بخمس ركعات لا يجلي إلا في آخرهن، وهذا أحد صفات الوتر؛ لأن الوتر قد يكون بركعة وبثلاث وبخمس وبسبع وبتسع

<<  <  ج: ص:  >  >>