للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تامة، والذين قالوا: إن الله لا ينزل وإنما الذي ينزل ملائكته أو رحمته أو أمره، جنوا علي النص جنايتين-والعياذ بالله-:

الجناية الأولي: أنهم صرفوه عن ظاهره، وهذه جناية كبيرة؛ لأنها من تحريف الكلم عن مواضعه. والجناية الثانية: أنهم أثبتوا له معني ما ذكره الله تعالي ولا رسوله، فيكونوا قد ألحدوا من وجهتين من جهة نفي ما دل عليه اللفظ، ومن جهة إثبات ما لم يدل عليه، والإلحاد في كلام الله ليس بالأمر الهين، قال الله تعالي: {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا} [فصلت: ٤٠]، وقد ذم الله تعالي بني إسرائيل لكونهم يحرفون الكلم عن مواضعه: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه} [النساء: ٤٦]، ولهذا كل من حرف كلام الله أو كلام رسول صلي الله عليه وسلم فإنه فيه شبه من اليهود، فالحذر الحذر من أتباع أولئك الذين يحرفون ما نطق الله به وما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم بأبلغ كلام وأوضحه، صادر عن عالم به وبمقتضاه، وصادر عن ناصح لمن يخاطب، فالله عز وجل يقول: {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: ١٧٦]، إذن هل أراد الله منا بكلامه أن نضل؟ لا، {يبين الله لكم أن تضلوا}، {يريد الله ليبين لكم ويهديكم} [النساء: ٢٦].

هذا ما يريده الله لعباده، والنبي صلي الله عليه وسلم مبلغ عن ربه ومبين، قال الله تعالي: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: ٤٤]. فهو صلى الله عليه وسلم يريد البيان، ولا أحد يشك في أنه صلي الله عليه وسلم أصلح الخلق للخلق كما أنه لا أحد يشك في أنه أعلم الخلق بالله، ولا أحد يشك في أنه أفصح الخلق، فقد أجتمع في كلامه كمال الإرادة، وكمال النصح، وكمال البيان، وما بعد ذلك إمكان لأن يحرف كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يقال: أن المراد به كذا وكذا ويصرف عن ظاهرة، ثم إن في تفسير ذلك بنزول أمره فيه أيضًا خطأ من جهة: أن أمر الله هل ينتهي بالسماء الدنيا؟ لا؛ {يدبر الأمر من السماء إلي الأرض} [السجدة: ٥٠]، ليس منتهاه السماء الدنيا، فإذا قالوا: الرحمة نفس الشيء، نقول: رحمة الله ليست تنتهي إلي سماء الدنيا، بل تنزل في الأرض، ورحمة الله أيضًا في الثلث الأخير أو في كل وقت؟ وكذلك لو قال أحد: إنه ملك ينزل، نقول: سبحان الله هل يمكن للملك أن يدعي لنفسه الإلوهية ويقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ، المهم: أن تحريف الكلم عن مواضعه هذا من أخطر ما يكون علي الإنسان، ونحن في الحقيقة لا نعلم عن الله إلا ما أخبرنا الله به ورسوله؛ لأن هذا من أمور الغيب، فما الواجب علينا إذا كنا لا نعلم إلا ما أخبرنا الله به ورسوله؟ الواجب علينا: أن نقول ما قال الله وقال رسوله ولا نتبع ذلك بعقولنا، علي أن هذه العقول التي أوجبت علي المتصفين بها أن يحرفوا كلام الله ورسوله لا شك في أنها عقول فاسدة باطلة؛ لماذا؟ لأنه لقصورهم ما فهموا من هذه النصوص إلا مثل ما يفهمون منها أنه متصف به الشبر فإنهم لما فهموا منها ذلك وأنها تقتضي التمثيل صاروا يحرفونها عن مواضعها

<<  <  ج: ص:  >  >>