للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمأموم، فينوي الإمام أنه إمام وينوي المأموم أنه مأموم، هل في هذا الحديث ما يدل على ذلك؟ الظاهر إما أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم نوى أن يكون إمامًا أو لم ينو، لا يمكن أن نقول: أنه ما يدري عن المأموم؛ لأنه قد علم بابن عباس، بقى عندنا حال ثالثة: أنه لا نوى هذا ولا هذا فهو: إما أن يكون نوى الإمامة أو لم ينوها، ولكن تصرفه بأخذ ابن عباس من ورائه وجعله عن يمينه، فهذا يدل على أنه نوى الإمامة، وحينئذ فلا يكون في الحديث دليل على هذه المسألة، وهذا هو الصحيح؛ يعني: أنه ليس في الحديث دليل، أما كون المسألة تصح أو لا تصح، فهذه سبق الكلام عليها.

ثانيًا: استدل به على جواز الانتقال من الانفراد إلى الإمامة في أثناء الصلاة، يعني: يجوز للمنفرد أن يكون إمامًا في أثناء الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما دخل على أنه وحده ثم انضم إليه ابن عباس، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا ممنوعًا لمنعه النبي ضلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فقال بعضهم: إنه لا يصح أن ينتقل المنفرد إلى الإمامة؛ لأنه يشترط في النية أن تكون من أول العبادة، فكيف تأتي النية في أثناء العبادة؟ ! ونقول: إنها صحيحة، وأجابوا عن حديث ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن ابن عباس سيقوم معه، فقد نوى من الأصل أن يكون إمامه، والجواب على هذا أن نقول: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، أين الدليل على أن الرسول كان يعلم ذلك، بل في بعض طرق الحديث أن الرسول قام مستخفيًا حتى لا يستيقظ ابن عباس، وإذا كان كذلك فهو دليل على أن الرسول ما نوى أن يكون إمامًا لابن عباس في المستقبل، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك في النفل دون الفرض؛ إذ إنه يجوز أن ينتقل من الانفراد إلى الإمامة في النفل دون الفرض، دليلهم: أن الأصل في النية أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، أي: من أول الصلاة إلا أنه قد خولف ذلك في النفل لهذا الحديث، أي: لورود السُّنة به، فيبقى الفرض على أصل القاعدة، وقال بعض أهل العلم: إنه يجوز أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفريضة وفي النافلة واستدلوا لذلك بهذا الحديث، ووجه الدلالة: أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل، وقد ثبت جواز ذلك في النفل فيلزم منه جوازه في الفرض إلا بدليل على الفرق، وأيضًا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم مع أصحابه، فدخل رجل فقام يصلي فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، وظاهره أنه في الفريضة؛ لأن مشروعية الجماعة والأمر بالجماعة لا يكون في النافلة، فلولا أنه كان في الفريضة ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يتصدق على هذا فيقوم يصلي معه" وهذا دليل واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>