للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث كتاب الله" وقوله: "فإن خير الحديث" هذه جواب الشرط، "خير" هنا اسم تفضيل حذفت منه الهمزة تخفيفًا لكثرة الاستعمال؛ يعني: أخير الحديث كتاب الله، وهو القرآن، فهو خير الأحاديث في الأخبار وفي الأحكام، لأنه مشتمل على غاية الصدق في الأخبار وعلى غاية العدل في الأحكام، كما أنه خير الحديث أيضًا فصاحة وبلاغة وأسلوبًا، فلا يوجد له نظير، كما أنه خير الحديث في إصلاح القلوب، يقول ابن عبد القوي رحمه الله [الطويل]:

وحافظ على درس القران فإنَّه ... يليِّن قلبًا قاسيًا مثل جُلمد

فلا حديث أشد إصلاحًا للقلوب من كلام الله عز وجل، وهو أيضًا خير الحديث في إصلاح المعاش معاش الخلق، لذلك لما كانت الأمة قائمة به كانت أسعد الأمم، وهو خير الحديث أيضًا في إصلاح المعاد، يقول تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} [طه ١٢٣]. لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، {ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: ١٢٤]. هو أيضًا خير الحديث في قوة تأثيره، ولهذا قال الله عز وجل: {وجهادهم به جهادًا كبيرًا} [الفرقان]. وماذا أثر في البلغاء والفصحاء من قريش؟ اعترفوا فيما بينهم سرًّا بأنه ليس من كلام البشر، حتى إن بعضهم ما ملك نفسه أن يسلم حين سمع القرآن، فهو خير الكلام من كل ناحية: في لفظه ومعناه وتأثيره وعاقبته، وإصلاحه للخلق في الأعمال والقلوب والأحوال، فخير الحديث تاب الله المكتوب، وسبّق لنا أنه- أي: القرآن- مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب في الصحف التي بأيدي الملائكة، {فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة} [عبس: ١٢ - ١٥]. مكتوب في المصاحف التي بأيدينا كما هو ظاهر.

"وخير الهدي هدي محمد" ما هو الهدي؟ الهدي: الطريق والسُّنة والعمل، فيشمل الأخلاق والعبادة والمعاملة، فخير الهدي هدي الرسول- عليه الصلاة والسلام- حتى من هدي الأنبياء السابقين؟ نعم، حتى من هدي الأنبياء السابقين، فإن خير الهدي هدي الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولهذا قال الله تعالى: {قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه} [القصص: ٤٩]. أي: تحدى ما يوجد أهدى من القرآن والتوراة التي قالوا: إنها صحف، وهنا: "خير الهدي هدي محمد" يشمل هدي من دون الأنباء. ما رأيكم في هدي الصوفية والتيجانية والقاديانية، وما أشبهها؟ أهدي من هدي الرسول- عليه الصلاة والسلام- أم لا؟ لا، إذن خير الهدي هدي الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولهذا أعقبه بقوله: "وشر الأمور محدثاتها" "شر الأمور" الأمور المتعلقة بالدين والعبادة شرها محدثاتها، أما ما يتعلق بالدينا فإن من المحدثات ما هو خير،

<<  <  ج: ص:  >  >>