للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخير مما قبله أيضًا لكن المقصود هنا: ما يتعلق بأمور الدين، الحديث يتكلم عن ماذا؟ عن خير الهدي، فشر الأمور مما يعتبر هديًّا ودينًا وعبادة، "محدثاتها" اسم مفعول يعني: التي أحدثت في دين الله هي شر الأمور.

لو قال لي قائل: أنا أريد الخير، أنا إذا فعلت هذا أجد في قلبي رقة ولينًا وخشوعًا، لماذا تمنعوني؟ ماذا نقول؟

نقول: هذا ليس بخير؛ لأن الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: "شر الأمور"، و"شر" اسم تفضيل يعني: أشر الأمور ما أحدث في دين الله حتى لو تراءى لفاعله أنه خير فهذا من تزيين الشيطان له، وإلا فليس بخير مهما كان، لو قالوا: والله نحن اجتمعنا وخشعنا وبكينا وذكرنا الله عز وجل، وذكرنا الرسول صلى الله عليه وسلم وما أشبه ذلك، نقول: هذا شر لا شك نحن نؤمن بهذا هذا القبس الذي تجدونه ينقدح عند هذا الذكر هو ينطفئ ويعقبه ظلمة وحرارة؛ لأنه يُفسد القلب، البدع مهما كانت فإنها تُفسد القلوب؛ لأنها- بإذن الله- يحدث بها رد فعل بالنسبة لسسن، ولهذا قال بعض السلف: "ما أحدث قوم بدعة إلا وتركوا من السنة ما هو خير منها"، وهذا صحيح، فالقلب إذا اشتغل بالباطل ما بقي للحق فيه محل، كما أنه إذا انشغل بالحق ما بقي فيه للباطل محل.

"شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" بدعة في ماذا؟ في الدين، والبدعة ما تعبد به الله عز وجل عقيدة أو قولًا أو عملًا أو فعلًا، ولم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إذا كان على عهده فليس ببدعة، وقوله: "ضلالة" الضلالة ضد الهدي فهي ميل وخروج عن الصراط المستقيم وضلال.

قوله: "وفي رواية له كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة"، إذن فيكون العموم الذي ذكرناه في أول الكلام يكون مقيدًا بيوم الجمعة.

"يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته" يقول يعني: "أما بعد ... " إلخ.

إذن نستفيد من هذا: زيادة قول: "يحمد الله ويثني عليه". الحمد هو وصف المحمود بالكمال والثناء وتكرار ذلك الوصف، فيعبر كثير من المصنفين في الحمد بأن الحمد هو الثناء بالجميل؛ يعني: أثني عليه بسبب جميله وإحسانه، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الحمد ليس بثناء، الثناء شيء والحمد شيء آخر، الدليل حديث أبي هريرة في الصحيح: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرحمن الرحيم}، قال: أثنى عليَّ عبدي"، فدل ذلك على أن الحمد ليس هو الثناء، وأن الثناء تكرار الحمد والأوصاف الجميلة، "يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته"، يقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله" كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>