للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية له: "من يهد الله فلا مضل له" (من) شرطية جُزم الفعل بها بالكسر نيابة عن السكون؛ لأنه معتل الآخر، هل هذا صحيح؟ لا، فماذا نقول؟ فنقول: "من" اسم شرط جازم، "يهد" فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، وهو الياء، لماذا لا نقول: إنها مجزومة بالتقاء الساكنين؟ نقول: لأن الشرط عارض فقُدّم، والتقاء الساكنين ليس بعارض، "من يهد الله فلا مضل له" "لا" نافية للجنس، و"مضل" اسمها، و"له" جار ومجرور متعلق بخبرها؛ يعني: فلا أحد يضله، وقوله: "من يهد الله" يشمل من يهده الله بعلمه وقدره، ومن يهده الله فعلًا، فمن قدر الله له الهداية فلا يستطيع أحد أن يضله، ومن هداه الله بالفعل ما يستطيع أحد أن يخرجه من الهداية، يعني: أن من هداه الله لا يستطيع أحد أن يصرفه عن الهداية، ولا أن ينزعه من الهداية، فتجد مثلًا بعض الناس ليس على هدى فتأتيه رجلان أحدهما يدعوه إلى البقاء على ما كان عليه من الضلال، والثاني يدعوه إلى الهدى فيهتدي مع قوة دعاية الأول، لكن نقول: لن يمنعه الأول من الهدى، لماذا؟ لأن الله تعالى قد قدَّر له الهداية، كذلك الرجل الذي اهتدى بالفعل ويوجد أناس يحالون أن يضلوه، ولكن الله تعالى قد أبقاه على الهدى فلا يستطيعون أن يضلوه، فمن يهدِ الله تعالى قدرًا- يعني: أنه قدر له الهداية- لا أحد يمنعه منها، ومن هداه بالفعل لا أحد ينزعه منها.

"ومن يضلل فلا هادي له" عكس الأولى، من قدِّر ضلالة لا يمكن أن يهتدي، أبو طالب ماذا فعل الرسول- عليه الصلاة والسلام- بالنسبة إليه؟ حاول بكل ما يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يهتدي هذا الرجل، ولكنه لم يهتد؛ لأن الله تعالى قد قدَّر له الضلال، وكذلك الإنسان الذي كان على هداية ثم بدأ ينحرف فكان أصحابه وأصدقاؤه وأهله ينصحونه يقولون: لا تنحرف، ولكنه- والعياذ بالله- أبى إلا أن ينحرف، هذا أيضًا نقول: "من يضلل فلا هادي له".

وللنسائي: "وكل ضلالة في النار" بعد قوله: "كل بدعة ضلالة": "كل ضلالة في النار"؛ ما قال: كل صاحب بدعة، كل بدعة في النار؛ لأنه خلاف الحق، وما كان خلاف الحق فإنه في النار، ولكن هل يلزم من كون البدعة في النار أن يكون صاحبها كذلك؟ لا إلا إذا كانت البدعة مكفرة، فإن صاحبها يكون في النار، أما إذا لم تكن مكفرة فإن صاحبها قد يستحق العقوبة في النار لكنه لا يستحق الخلود، هذا الحديث عظيم، ولهذا الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يخطب به يوم الجمعة.

* نرجع إلى فوائده:

من فوائده: أولًا: أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يتأثر عند الخطبة بقوله وحاله؛ بقوله: يعلو صوته، وبحاله: يشتد غضبه وتحمر عيناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>