للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: هذا ورد عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - وقد قال أنس: "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم". ولو أننا راعينا الناس في ترك السنن لكانت مللًا ولكانت الأمة أممًا؛ لأن الناس ليسوا على مشرب واحد، والمقصود: أن يجمع الناس على ما دلَّ عليه كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يقرأ غيرهما؟ نقول: ثبت في حديث النعمان بن بشير - كما سبق - أن الرسول كان يقرأ فيهما أحيانًا بسبح والغاشية.

أمَّا الحديث الأخير حديث جابر، فيستفاد منه: مشروعية مخالفة الطريق في الخروج لصلاة العيد، الدليل: فعل الرسول - عليه الصلاة والسلام -.

فإن قلت: أفلا يمكن أن يكون هذا وقع اتفاقا فحينئذٍ لا يدل على المشروعية؟

الجواب: لا، لو وقع اتفاقًا لكان الاتفاق الأول يرجع من الطريق الأول؛ لأن ما اتفق فيه الخروج اتفق فيه الرجوع، إذن فملاحظة المخالفة لا شك أنها أمر مشروع، وفيها الحكم التي أشرنا إليها، ألحق بعض أهل العلم بذلك صلاة الجمعة، قال: يشرع أن يخالف الطريق فيها، وتعلمون أن القياس لابد فيه من أربعة أركان وهي: أصل، وفرع، وعلة، وحكم، ما هو الأصل؟ هو المقيس عليه، والفرع: المقيس، والحكم: مقتضى خطاب الشرع، والعلة: الوصف المناسب الذي يجمع بين الأصل والفرع. هنا يقولون: نقيس صلاة الجمعة على صلاة العيد، فينبغي فيها المخالفة، أين الأصل؟ صلاة العيد، والفرع: صلاة الجمعة، والحكم: المخالفة، والعلة: شهادة الطرق للإنسان، والجمعة أقوى وأشد فرضًا من صلاة العيد، ولكننا نقول: إن هذا القياس لا يصح لاختلال شرط صحته، وهو ألَّا يكون مخالفًا للنص، وهنا في هذا القياس مخالفة - فيما يظهر - للنصوص، كيف هذه المخالفة؟ نقول: إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يصلي الجمعة، وصلاة الجمعة أكثر من صلاة العيد، ومع ذلك ما ورد أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان يخالف الطريق، ولا أرشد إليه لا فعلًا، ولا قولًا، ولا إيماءً، وإذا كان كذلك فليس بمشروع، وقد سبق لنا في هذا الباب قاعدة مهمة: "أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - ولم يرشد فيه إلى سيئة فإن السُّنَّة فيه الترك والعدم"؛ إذ إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا يمكن أن يدع ما وجد سببه وهو أمر مشروع أليس كذلك؟

وعلى هذا فنقول: هذا القياس ظاهره أنه يخالف النص فلا يعتبر، وتجاوز قوم من أهل العلم في هذه المسألة، وقالوا: يلحق به المضي إلى صلاة الجماعة، صلاة الجمعة ربما يكون فيها شيء من الشبهة، لأنها اجتماع عام وصلاة في عيد الأسبوع ففيها نوع مشابهة، لكن قالوا

<<  <  ج: ص:  >  >>