للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن قلتُم: بعدة قراءاتٍ؛ لزمكم إقامة أدلةٍ على عددها!

فإن قُلتم: هي الباقيةُ إلى يومنا هذا بدليل بقائها بنقل القرون قرناً عن قرنٍ (١)؛ أشكل عليكم أنّ لدينا أدلةً تاريخيةً مُعتبرةً من مخطوطاتٍ موثَّقةٍ لكتُبٍ سابقةٍ (٢) ـ إنكارُها لمجرّد الإنكار ليس إلا رعونةً فكريةٍ على مذهب «عنزة ولو طارت» ـ أنّ قراءاتٍ قرآنيةً نسميها نحن «متواترةً» بشروط التواتر لدينا كانت مما يُقرأ به في عصورٍ سابقة، وهي مما لا يُقرَأ به اليومَ في أيٍّ من بلاد المسلمين، فكيف يستقيم مفهومكم لتعريف التواتر مع هذا؟

فإنّ هذه القراءات التي كانت متواترةً مقروءاً بها قدماً لم يستمرّ نقلُ الأجيال لها بالدليل الملموس الذي ذكرناه، أفلا يقدَحُ هذا في مقياس التواتر الذي طرحتُموه؟


(١) وهذا من الدور الباطل منطقاً.
(٢) الأمثلة على ذلك لا تكاد تُعدُّ؛ فمن ذلك كتاب «الحجة للقراء السبعة» لأبي علي الفارسي النحوي (٣٧٧ هـ).
حققه محققاه (بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي) عن نسختين خطيتين:
الأولى محفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم (٣٥٧٠)، ولها مصورة في دار الكتب المصرية برقم (٤٦٢ قراءات)، فُرغ من نسخها سنة (٣٩٠ هـ).
والثانية: محفوظة في مكتبة مراد ملا باستنبول رقمها (٦ - ٩)، ومنها مصورة في معهد إحياء المخطوطات، وقد فُرِغَ من نسخها نهائياً سنة (٤٢٨ هـ).
ومثالٌ ثانٍ هو كتاب «التذكرة في القراءات الثمان» لابن غلبون المقرئ الحلبي (٣٩٩ هـ).
حققه محققه الشيخ أيمن سويد على ست نسخٍ خطية سأعرضُ عن تفصيلِها، «والحرُّ تكفيه الإشارة».
وأما العلوم الأخرى (إسلامية، ولغوية، وغير ذلك) فإنّ ثمةَ الآلافَ من الكتب المحققة منها تذكر قراءاتٍ غيرَ الباقية اليوم، وكلٌّ منها له مخطوطات محفوظة في المكتبات والمتاحف عبر العالم.
وهذان بمجموعهما دليلٌ صارخٌ جديد ينقضُ وهم القرآنيين حول التواتر!

<<  <   >  >>