للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معصومٍ، ولا مؤيد بالوحي، أفيؤكد الله تعالى على طاعته بطاعة خلقٍ من خلقه فيهم الفاسد والفاسق، والجاهل والغافل، ومن فيه صفاتٌ سوأى قد لا يعُدُّها عادّ؟

وهنا نتابعُ توجيه أسئلتنا:

فإن لم يكن ما يُطاعُ رسول الله هو نفس ما يُطاع الله فيه؛ لزم أن يكون الذي سيُطاع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم غير ما يُطاعُ الله به مما أمرَ به ونصّ عليه في القرآن؟

فإن كان الأمر كذلك فما هو هذا الذي سيُطاعُ النبيُّ به مما ليس في القرآن الكريم منصوصاً عليه؟ أليس هو شيئاً زائداً على القرآن؟

فإن اتفقنا (١) على أنّ ما يُطاعُ فيه النبيُّ غير ما هو منصوصٌ عليه في القرآن، فإنّ هذا الشيء هو إما خاصٌّ بزمنه صلى الله عليه وسلم أو هو غير خاصّ.

فإن قالوا: هو خاصٌّ بزمنه.

قلنا: ما الدليلُ من القرآن على ذلك؟ وإن العقولَ تتفقُ على أن العاقلَ حين يتكلم بكلامٍ عامٍّ يُريدُ أن يخُصَّهُ بشيءٍ أو أحدٍ يجعل في هذا الكلام ما يدلّ على مُراده تصريحاً أو تلميحاً.

وإذ لم يُوجد في القرآن ما يدلُّ على أنّ هذا الذي يجب أن يُطاع به النبيُّ ـ مما هو ليس منصوصاً عليه في القرآن ـ خاصٌّ بأهل زمانه؛ لزم أن يكون موجَّهاً إلى كلِّ مسلمٍ أنى كان.

فإن كان كذلك، فإنّ هذه الأوامرَ النبويةَ لازمةَ الطاعة هي إما موجودةٌ محفوظةٌ، أو هي ضائعة.

فإن كابر القرآنيون وادَّعَوا أنها ضائعة قلنا لهم: هذا يعني أنّ شيئاً مما أمر الله به في القرآن ـ وهو طاعة النبي ـ قد ضاعَ، وهذا يتناقضُ مع مفهوم عصمة القرآن من الضياع، وهذه العصمة تشمل حروفه وكلماتِه، وتشمل معانيه ومراداتِه.

بل ولَلَزِم أن يأمرَ الله بما لا يُستطاع، وبما لا يُطاق ولا يقدر المرء عليه، وهذا يتعارضُ مع ما في صريح القرآن من قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة ٢: الآية ٢٨٦].


(١) ولا أظننا إلا يمنعنا الإمعان في الغيّ من الاتفاق.

<<  <   >  >>