للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدعوة الأولى رُكِّزَ فيها ـ عبر قرآنها المكيّ، وسيرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ـ على بناء عقيدة التوحيد الصافية في نفوس المسلمين، وحُرِصَ فيها على ترسيخ معاني الإيمان في القلوب، ثم بعدَما تأصّلت هذه الأصولُ في نفوس المؤمنين شُرِعت الشَّعائر، وقُنِّنَت الأحكام، وجاء الأمرُ والنهيُ بالفروع في المرحلة الثانية من الدعوة النبوية في المدينة المنوّرة.

وفي أواخر هذه المرحلة تمّ قيامُ دولة سياسيةٌ كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائدَها ومُشرِّعَها.

وإن القارئَ لقصة الخلافة الإسلامية عبر العصور يجدُها قد انحرَفَتْ عن مقصِدِها الذي قامت لأجله منذ باكرِ تاريخ المسلمين، وإنّ الأمراضَ التي أصابت «الخلافةَ» شلّتها شللاً كاملاً في مراحلَ مختلفةٍ من تاريخنا، فلم يعُدْ منها إلا اسمُها ورسمُها بغير دورٍ حقيقيٍّ فاعلٍ على ساحة الأحداث.

ثم ها هي قد أُلغيَت بالكلية منذ عام ١٩٢٤ م، والأمة في كلّ تلك الحِقَبِ لم تمُتْ، بل لم تفقُدْ قُواها الدينية والعلمية والحضارية فُقداناً كاملاً البتّةَ، بل إنها مرّت بفترات قوّةٍ على صُعُدٍ مختلفةٍ في حين أنّ الخلافة كانت هاويةً إلى الهاوية.

فالنظرُ إلى حلّ مشاكل الأمة المختلفة عبرَ تنصيب خليفةٍ دون القيام بما يجب القيام به مما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من إعادة بناء العقيدة الصحيحة البعيدة عن البدع والخرافات، وإعادة رفع صرح الإيمان والأخلاق عالياً في النفوس، وإعادة سيطرة مبدأ السمع والطاعة لله ولرسوله على النفوس والعقول، وإعادة التزام الأمة الطوعيّ أفراداً وجماعاتٍ ثمّ دولاً بالأحكام الشرعية الثابتة الراسخة، ثم التقيُّد بالأرجح دليلاً مما هو مختلَفٌ فيه؛ الحال التي تؤدي إلى اصطباغ الأمة بالإسلام اصطباغاً حقيقياً يُفرِزُ قياداتٍ من هذه الأمة مؤمنةٍ بالحياة بهذا الدين، في سبيل هذا الدين.

وسواءٌ أسُميَت الواحدة من هذه القيادات «خليفة»، أو «أميراً»، أو «رئيساً»، أو «زعيماً أو? ? ملكاً» .... فإن العبرة ليست بالتسمية بل بالحقيقة التي يقوم عليها المسمّى، ويعيشُها ويتمثّلُها.

<<  <   >  >>