للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ إننا نجد أنّ الله تعالى قد نفى الإيمان عمن لم يُحكم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء ٤: الآية ٦٥].

وقال: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [سورة النور ٢٤: الآيات: ٤٨ - ٥٢].

فالاحتكام إلى من لا يحكُمُ عبثُ وهراءٌ يُنزّهُ القرآن الكريم عنه، وهو يُثبِتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّيّة الحكم.

فإن قال القرآنيون: المراد مجرّد القضاء والفصل في الخصومات دون استقلالٍ بالتشريع؛ كما هو حال القاضي العاديّ من الناس لا يحكم من عند نفسِه، بل بما بين يديه من الموادّ القانونية، بدليل قوله تعالى: {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء ٤: الآية ٦٥].

قلنا لهم:

هل منصب القضاء الدنيوي يتطلّب أن لا يجد المرءُ في نفسه تضايُقاً ما من حكم القاضي عليه بشيءٍ ما، وأن يُسلّم له تسليماً كاملاً (١)؟

وأين وجهُ الإيمان في الرضوخ لحُكم قاضٍ أيّاً كان في أمرٍ من أمور الدنيا، ومشكلاتِ الخلائق، وهل إذا قبل إنسان بحُكمِ قاضٍ في محكمةٍ ما يُؤجَرُ عليه.

فإن كان ذلك لمجرّد القضاء ولم يكن خصوصيةً للنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لشاركه فيها كلُّ قاضٍ تصدّى للحُكم في قضايا العباد.


(١) الكمال في الآية مستفاد من التوكيد بالمفعول المطلَق.

<<  <   >  >>