للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: ٥٨]، وَقَالَ: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]، فَهَذِهِ كُلُّهَا وَأَمْثَالُهَا، وَنَظَائِرُهَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي وَصَفَ خَلْقَهُ بِمِثْلِهَا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ قَوْلُنَا: فُلَانٌ قَوِيٌّ عَزِيزٌ، وَفُلَانٌ رَحِيمُ، وَفُلَانٌ حَلِيمٌ، وَفُلَانٌ عَالِمٌ، وَفُلَانٌ مَلِكُ قَوْمِهِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ. وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: إِنَّ مَعْنَى سَمْعِهِ: مَعْنَى بَصَرِهِ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ} [محمد: ٣١] إِنَّمَا مَعْنَى نَعْلَمُ هَاهُنَا: حَتَّى نَرَى الْمُجَاهِدِينَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْمُجَاهِدِينَ بِالْعِلْمِ السَّابِقِ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُجَاهِدُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَحْدِثُ عِلْمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتَحْدَثَ عِلْمًا بِشَيْءٍ فَقَدْ كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ جَاهِلًا، وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَرَاهُمْ مُجَاهِدِينَ حَتَّى يُجَاهِدُوا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْبَصَرَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ فَرَّقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْبَصَرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَدْ عَلِمَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّكَ تُصَلِّي قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ وَأَنَّكَ تُجَاهِدُ قَبْلَ أَنْ تُجَاهِدَ , وَلَكِنَّهُ لَا يَرَاكَ مُصَلِّيًا حَتَّى تُصَلِّيَ وَلَا عَامِلًا حَتَّى تَعْمَلَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>