للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأكثر من هذا فصبر" (١)، وكان من دعائه: "أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا" (٢) وهذا عزيزٌ جدًّا؛ إذ أكثر الناس إذا غضب. . لا يتوقف فيما يقول.

وأخرج الطبراني خبر: " ثلاثٌ من أخلاق الإيمان: مَنْ إذا غضب. . لم يُدخله غضبه في باطل، ومَنْ إذا رضي. . لم يخرجه رضاه من حق، ومَنْ إذا قدر. . لم يتعاط ما ليس له" (٣).

والأخبار الدالة على وقوع غضبه صلى اللَّه عليه وسلم للَّه تعالى وتكرره كثيرة، مع الإجماع على أنه كان أحلم الناس، وأكثرهم عفوًا وصفحًا واحتمالًا وتجاوزًا، ونهاية الكمال الغضب في موضعه، والحلم في موضعه.

وأخرج أحمد: "ما تجرَّع عبدٌ جرعةً أفضل عند اللَّه تعالى من جرعة غيظٍ يكظمها ابتغاء وجه اللَّه تعالى" (٤)، وأخرج: "ما من جرعةٍ أحب إلى اللَّه من جرعة غيظٍ يكظمها عبد، ما كظم عبدٌ جرعةَ غيظٍ للَّه تعالى إلا ملأ اللَّه تعالى جوفه إيمانًا" (٥) وفي روايةٍ لأبي داوود: "ملأه اللَّه أمنًا وإيمانًا" (٦).

وليحذر الإنسان من الدعاء على نفسه أو أهله أو ماله عند الغضب؛ فإنه ربما يصادف ساعة إجابة فيستجاب له؛ كما يدل عليه خبر مسلم عن جابر رضي اللَّه تعالى عنه: سرنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوةٍ ورجلٌ من الأنصار على ناضحٍ له، فتلدَّن عليه بعض التَّلدُّن، فقال له: سر لعنك اللَّه، فقال صلى اللَّه عليه وسلم: "انزل عنه، فلا يصحبنا ملعون، لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من اللَّه ساعةً يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" (٧)، وفي هذا أيضًا دليلٌ على رد ما نقل عن الفضيل: (ثلاثة لا يلامون


(١) أخرجه البخاري (٦١٠٠)، ومسلم (١٠٦٢) عن سيدنا عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.
(٢) أخرجه النسائي (٣/ ٥٤) عن سيدنا عمار بن ياسر رضي اللَّه عنهما.
(٣) المعجم الصغير (١/ ٦١) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه.
(٤) مسند الإمام أحمد (٢/ ١٢٨) عن سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
(٥) مسند الإمام أحمد (١/ ٣٢٧) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٦) سنن أبي داوود (٤٧٧٨) عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن أبيه رضي اللَّه عنه.
(٧) صحيح مسلم (٣٠٠٩). والناضح: البعير الذي يُستقَى عليه، والتَّلدُّن: التوقف والتلكؤ.

<<  <   >  >>