للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتسميته ما ذكر وما يأتي صدقة من مجاز المشابهة (١)؛ أي: أن لهذه الأشياء أجرًا كأجر الصدقة في الجنس؛ لأن الجميع صادرٌ عن رضا اللَّه تعالى مكافأةً على طاعته، إما في القَدْر أو الصفة (٢)، فيتفاوت بتفاوت مقادير الأعمال وصفاتها وغاياتها وثمراتها، وقيل: معناه: أنها صدقةٌ على نفسه.

وفيه فضل هذه الأذكار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتأخيرهما عنها من باب الترقي (٣)؛ لوجوبهما عينًا أو كفايةً، بخلافها، ولا شك أن الواجب بقسميه أفضل من النفل (٤)؛ لحديث البخاري: "ما تقرَّب إليَّ المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم" (٥) بل نقل إمام الحرمين أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، واستأنسوا له بحديث، وقد بينتُ ذلك وما فيه في "شرح الإرشاد" (٦) وحقيقة الصدقة موجودةٌ فيهما؛ لنفعهما باقي الناس بإسقاط الحرج عنهم، ومن ثم قال جماعةٌ من أئمتنا: إن فرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأن نفعه يخص الفاعل، ونفع فرض الكفاية يعم الأمة؛ لسقوط حرجه عنهم.

وفيه إيماءٌ إلى أن الصدقة للقادر عليها أفضل من هذه الأذكار، ويؤيده: أن العمل المتعدي أفضل من القاصر غالبًا، وإلى أن تلك الأذكارَ إذا حسنت النية فيها. . ربما يساوي أجرها أجر الصدقة، سيما في حق من لا يقدر على الصدقة.


(١) أي: من التشبيه البليغ المحذوف منه أداة التشبيه.
(٢) قوله: (لأن الجميع) أي: أجر كل واحدٍ من هذه الأشياء وأجر الصدقة صادرٌ من اللَّه تعالى عن رضاه؛ مكافأة على طاعة العبد إياه، فقوله: (إن بكل تسبيحة صدقة) تقديره: إن بكل تسبيحة أجرًا كاجر الصدقة، حذف كاف التشبيه للمبالغة، ثم حذف (أجرًا) فبقي: (أجر صدقة) ثم حذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، وأُعرب بإعرابه، ذكره الأكمل. انتهى "مناوي"، ثم التشبيه بالنسبة للجنس لا القدر والصفة كما قاله الشارح وغيره. اهـ "مدابغي"
(٣) قوله: (وتأخيرهما عنها. . . إلخ) استئناف بياني في جواب سؤال مقدر. اهـ هامش (ج)
(٤) الفرض أفضل من النفل، وما درى أنها قاعدة أغلبية؛ فقد استثنوا منها مسائل؛ منها: إبراء المعسر؛ فإنه أفضل من إنظاره وإنظاره واجب، وإبراؤه مندوب، ومنها: ابتداء السلام؛ فإنه سُنةٌ والرد واجب، والابتداء أفضل كما أفتى به القاضي حسين، ومنها: الوضوء قبل الوقت سنة وهو أفضل منه في الوقت،"شرح الشمائل" لعبد الرؤوف المناوي. اهـ هامش (غ)
(٥) صحيح البخاري (٦٥٠٢) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٦) في بعض النسخ: (شرح الإرشاد الصغير).

<<  <   >  >>