للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كثيرًا) (١) فيه من معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم: الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر، وقد كان صلى اللَّه عليه وسلم عالمًا به جملةً وتفصيلًا؛ لِمَا صح أنه كُشف له عمَّا يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم، ولم يكن يبينه لكل أحدٍ، وإنما كان يحذِّر منه على العموم، ثم يلقي التفصيل إلى الآحاد؛ كحذيفة وأبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنهما.

(فعليكم) أي: الزموا حينئذٍ التمسك (بسنتي) أي: طريقتي وسيرتي القويمة التي أنا عليها مما أصَّلْتُه لكم من الأحكام الاعتقادية والعملية، الواجبة والمندوبة، وغيرهما.

وما فسَّرتُ به السُّنةَ من أنها: الطريقة القويمة الجارية على السنن وهو السبيل الواضح. . هو مما وافَقَتْ فيه اللغةُ الشرعَ؛ لاستعمالها فيهما بهذا المعنى، وتخصيصهم لها بما طُلِبَ طلبًا غيرَ جازم اصطلاحٌ طارئٌ قصدوا به التمييزَ بينها وبين الفرض، ويشهد له حديث: "من صلى ثنتي عشرة ركعة من السنة. . بنى اللَّه له بيتًا في الجنة" (٢) على أن التمييز بينهما كان معروفًا عند الجاهلية أيضًا، أَلَا ترى إلى قول ذي الأصبع العدواني: [من الهزج]

ومنهم مَنْ يجيز النا ... سَ بالسُّنَّة والفرضِ

فهو ما تأصَّل التزامه للخلق، كأنه قطع عليهم التردد فيه، من (فَرَض) أي: قَطَع، وإليه يرجع التقدير؛ لأن ما قدر قد قطع عما كان مشترِكًا معه (٣).

(وسنة) أي: طريقة (الخلفاء الراشدين المهديين) (٤) وهم: أبو بكر، فعمر،


(١) قوله: (وإنه) أي: الشأن (من يعش) بالجزم، وفي نسخ: (من يعيش) بالرفع. وقال العلامة الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية" (ص ٢٣٤): (وإتيانه بالسين في قوله: "فسيري" دون "سوف" يدل علي قرب الرؤية، وكان الأمر كذلك، فظهرت فتة سيدنا عثمان، وواقعة الجمل، ومحاربة سيدنا معاوية لسيدنا علي رضي اللَّه عنهما على الإمارة، ومحاربته لسيدنا الحسن فسلم الأمر إليه؛ لأجل إطفاء نار الفتنة، ثم ظهر أعظم الفتن قتل سيدنا الحسين رضي اللَّه عنه).
(٢) أخرجه الترمذي (٤١٤)، وابن ماجه (١١٤٠) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي اللَّه عنها بنحوه.
(٣) قوله: (لأن ما قدر قد قطع عمَّا كان مشتركًا معه) كالصلوات الخمس فرض؛ لأنها قطعت عما كان مشتركًا معها وهو النافلة في مطلق الصلاة، وبهذا يعلم أن (مشترِكًا) بالكسر اسم فاعل كما قرره شيخنا. اهـ هامش (غ)
(٤) قال الإمام التوربشتي رحمه اللَّه تعالي: وإنما ذكر سنتهم في مقابلة سنته؛ لأنه علم أنهم لا يخطئون فيما =

<<  <   >  >>