للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقع إعطاء المدعي بدعواه، ولا يقع بدون ذلك، فصح معنى (لو) هنا على القولين.

(يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال) (١) هم ذكور بني آدم، أو البالغون منهم، فإن قُوبل بهم النساءُ. . أُريد الأول، أو الصبيانُ. . أُريد الثاني، ولا يختص ذلك بهم على كلٍّ من هذين، وإنما ذكروا؛ لأن ذلك من شأنهم فحسب، ويؤيد ذلك رواية: "لادَّعى ناس" (٢).

(أموال قوم) قيل: يخص الرجال، لقوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} فذِكْرهُنَّ دليلٌ ظاهرٌ على أن القوم لم يشملهنَّ، وبه صرح زهير في قوله: [من الوافر]

وما أدري ولستُ إخال أدري ... أقومٌ آلُ حصنٍ أم نساءُ

وقيل: يعم الفريقين، إذ هما المراد في نحو: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} "ليس بأرض قومي" (٣)، ورُدَّ: بأن دخولهنَّ هنا ليس لغة، بل لقرينة نحو التكليف في الآية.

وحكمة التعبير بـ (رجال) ثم (قوم) بناء على أنه يعمهما: أن الغالب في المدَّعي أن يكون رجلًا، والمدَّعى عليه يكون رجلًا وامرأةً، فراعى في التغاير بينهما الغالبَ فيهما، وعلى ترادفهما فالمغايرة للتفنُّن في العبارة.

(ودماءهم) قُدمت الأموال عليها ذكرًا في هذه الرواية مع أنها -أعني الدماء- أهمُّ وأعظم خطرًا، ولذا ورد: أنها أول ما يُقضى بين الناس فيه (٤)؛ لأن الخصومات في الأموال أكثر، إذ أخذها أيسر، وامتداد الأيدي إليها أسهل، ومن ثَمَّ ترى العصاة بالتعدي فيها أضعافَ العصاة بالقتل.

(لكن) هي هنا وإن لم تأت لفظًا على قانونها من وقوعها بين نفيٍ وإثباتٍ حتى


(١) قوله: (يعطى الناس) المفعول الثاني محذوف؛ أي: الأموال والدماءَ. اهـ "مدابغي"
(٢) أخرجها مسلم (١٧١١) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٣) أي: الضب، والحديث عند البخاري (٥٣٩١)، ومسلم (١٩٤٦) عن سيدنا خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه البخاري (٦٥٣٣)، ومسلم (١٦٧٨) عن سيدنا عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>