للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ستره اللَّه في الدنيا) بالمعنيين المذكورين (١) (والآخرة) بألَّا يعاقبه على ما فرط منه؛ لما مر (٢)، ولأن اللَّه حيٌّ كريمٌ سِتِّيرٌ، وستر العورة من الحياء والكرم، ففيه تخلُّقٌ بخلق اللَّه تعالى، واللَّه تعالى يحب التخلق بأخلاقه.

وأخرج ابن ماجه: "من ستر عورة أخيه المسلم. . ستر اللَّه عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم. . كشف اللَّه عورته حتى يَفْضَحه بها في بيته" (٣).

وأخرج أحمد وأبو داوود والترمذي: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه؛ لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عوراتهم. . تتبع اللَّه عورته، ومن تتبع اللَّه عورته. . يفضحه في بيته" (٤).

وخرج على المعنى الأول بنحو ذوي الهيئات المعروفُ بالأذى والفساد (٥)، فيندب، بل قد يجب ألَّا يستر عليه، بل يظهر حاله للناس حتى يتوقَّوه، أو يرفعه لولي الأمر حتى يقيم عليه واجبه من حدٍّ أو تعزيرٍ ما لم يخش مفسدةً؛ لأن الستر عليه يطمعه في مزيد الأذى والفساد.

وبوقوعها فيما مضى معصيةٌ رآه عليها وهو بعد متلبسٌ بها، فتلزمه المبادرة بمنعه منها بنفسه إن قدر، وإلَّا. . فيرفعه للحاكم؛ كما مر ما لم يترتب عليه مفسدة، والكلام في غير نحو الرواة والشهود والأمناء على نحو صدقةٍ أو وقفٍ أو يتيمٍ؛ فيجب بالإجماع جرحهم على من علم قادحًا فيهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من


= وكتمان الأسرار قد تطابقت على الأمر به المللُ، وقد قالوا: صدور الأحرار قبور الأسرار، وقيل: قلب الأحمق في فيه، ولسان العاقل في قلبه، وقيل لبعضهم: كيف أنت في كتم السر؟ فقال: أستره وأستر أني أستره. اهـ هامش (غ)
(١) وهما ستر زلته، وستر عورته الحسية أو المعنوية.
(٢) قوله (لما مر) أي: من أن الخلق عيال اللَّه وأحبهم إليه أرفقهم بعياله.
(٣) سنن ابن ماجه (٢٥٤٦) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٤) مسند الأمام أحمد (٤/ ٤٢٠)، وسنن أبي داوود (٤٨٨٠) عن سيدنا أبي برزة الأسلمي رضي اللَّه عنه، والترمذي (٢٠٣٢) عن سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
(٥) قوله: (وخرج على المعنى الأول) أي: للستر، وهو أن يعلم من ذوي الهئية وقوع معصية، فيندب أن يستره فلا يخبر بها حاكمًا ولا غيره، لا الستر بالمعنى الثاني، وهو قوله: (أو المراد بستر المسلم ستر عورته الحسية أو المعنوية. . .) فإن هذا لا يتوقف على ذي الهئية ولا غيره، بل يندب في حق كل أحد. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>