للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصاعد وهو الساق، ثم يتفرع منه أغصان كثيرة، ثم منها نَوْرٌ (١)، ثم ثمرٌ مشتملٌ على أجزاء كثيفةٍ كالقشر، ولطيفةٍ كاللب، ثم دهنٌ، وأما الجزء الغائص من أسفل الحبة. . فيتفرع إلى عروقٍ، ثم ينتهي إلى أطرافها، وهي في اللطافة كأنها مياهٌ منعقدةٌ، ومع غاية لطفها تغوص في الأرض الشديدة الصلابة، وأودع فيها قوةً جاذبةً تجذب الأجزاء اللطيفة من الطين إلى نفسها.

والحكمة في جميع هذه التدبيرات: تحصيل ما يحتاج إليه الآدمي من الغذاء والإدام، والفواكه، والأشربة؛ كما قال تعالى: {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} الآيةَ.

(العالمين) جمع عالَم، مشتقٌ من العَلَم -فيختص بذويه على ما يأتي- أو العَلَامة؛ لأنه علامةٌ على موجده، وأنه متصفٌ بصفات الكمال، فلكونه آلةً في الدلالة على ذلك، واسمًا لما يعلم به صار كالطابع اسمًا لما يطبع به.

ومدلوله: ما سوى اللَّه تعالى وصفات ذاته؛ لأنها ليست عينًا نظرًا لِلُّزوم (٢)، ولا غيرًا نظرًا لاستحالة الانفكاك، وتخصيصه بذي الروح، أو بالناس، أو بالثقلين والملائكة، أو بالثلاثة مع الشياطين، أو ببني آدم، أو بأهل الجنة والنار، أو بالرّوحانيين (٣). . يحتاج لدليل.

ونُقل عن المتقدمين أعدادٌ مختلفةٌ في العالمين وفي مقارِّها، اللَّه سبحانه وتعالى أعلم بالصحيح منها، كقول مقاتل: (هي ثمانون ألف عالم).

والضحاك: (ثلاث مئة وستون ألف عالم؛ ثلاث مئة ألفٍ حفاة عراة لا يعرفون خالقهم، وستون ألفًا مكسيون يعرفونه) (٤).


(١) النَّوْر: الزهر.
(٢) قوله: (نظرًا للزوم) أي: للزومها للذات، ولازم الشيء غيره؛ إذ العين لا تلزم عينًا أخرى، فلو كانت عينًا. . لما لزمت الذات، وفي نسخٍ: (نظرًا للمفهوم) اهـ "مدابغي"
(٣) الروحانيون، قال ابن الأثير رحمه اللَّه تعالى في "النهاية" (٢/ ٢٧٢): (يروى بضم الراء وفتحها، كأنه نسبةً إلى الرُّوح أو الرَّوح؛ وهو نسيم الريح، والألف والنون من زيادات النسب، ويريد به: أنهم أجسامٌ لطيفةٌ لا يدركها البصر).
(٤) انظر "حاشية البجيرمي على الخطيب" (١/ ٢٩).

<<  <   >  >>