للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى القطع، ولكن المتدين يغلب على ظنه ثبوت ما دلّ الدليل السمعي على ثبوته، وإن لم يكن قاطعاً. وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفاً لقضية العقل، فهو مردود قطعاً فإن الشرع لا يخالف العقل .. " (١).

قلت: وبعد الجويني جاء تلميذه الغزالي فأفصح عن هذه المعاني بصورة محكمة منظمة، وذلك في جوابه لأسئلة ابن العربي (٢)، حيث قسم الخائضين في التأويل إلى خمس فرق:

الفرقة الأولى: هم الذين وقفوا مع المنقول وصدقوا بما جاء به النقل تفصيلاً وتأصيلاً وإذا شوفهوا بإظهار تناقض في ظاهر المنقول وكلفوا تأويلاً، امتنعوا وقالوا: إن الله قادر على كلّ شيء.

الفرقة الثانية: وهم الذين وقفوا على النقيض من أصحاب الفرقة الأولى، فَجَرَّدُوا النظر في المعقول ولم يكترثوا بالمنقول، فإذا سمعوا في الشرع ما يوافقهم قبلوه، وإن سمعوا ما يخالف عقولهم، زعموا أن ذلك صوَّره الأنبياء للعوام على سبيل التمثيل، فغلوا في المعقول حتى كفروا، إذ نسبوا الأنبياء إلى الكذب لأجل المصلحة.

الفرقة الثالثة: وهم الذين جعلوا المعقول أصلاً فطال بحثهم عنه، فضعفت عنايتهم بالمنقول، فلما سمعوا من الظواهر المخالفة للمعقول جحدوه وأنكروه، وكذبوا راويه، إلاَّ ما يتواتر عندهم كالقرآن، ولا يخفى ما في هذا الرأي من الخطر في ردِّ الأحاديث الصحيحة.

الفرقة الرابعة: وهم الذين جعلوا المنقول أصلاً وطالت ممارستهم له، فاجتمعت لهم الظواهر الكثيرة، ولما لم يغوصوا في المعقول، ولم يخوضوا فيه، لم تتبين لهم المحالات العقلية.


(١) م. ن: ٣٥٩ - ٣٦٠.
(٢) والتي طبعها الشيخ محمد بن زاهد الكوثري باسم "قانون التأويل".

<<  <   >  >>