للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما إن أرادوا بالعقل أنه أصل في معرفتنا بالشرع ودليل لنا عليه، فلا بدّ من التساؤل عن ماهية العقل الذي يعنونه؟.

أهو الغريزة التي فينا والتي هي شرط في تحصيل العلوم؟.

أم هو العلوم المستفادة من وجود تلك الغريزة؟.

أما الأول فيمتنع أن يكون هو المراد؛ لأن وجود تلك الغريزة شرط في تحصيل أي علم عقلي أو سمعي، وما كان شرطاً في الشيء امتنع أن يكون منافياً له.

أما إذا عنوا بالعقل تلك المعرفة الحاصلة والتي استفدناها بوجود غريزة العقل -وهذا ما يعنيه فقيهنا ابن العربي إذ عَرَّفَ العقل بأنه العلم بعينه (١) - فإنه لا يسلم لهم؛ لأن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر. وليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلاً للسمع ودليلاً على صحته، إذ العلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول.

وهذه الحقيقة قال بها ابن العربي نفسه في قانون التأويل (٢) حيث أثبت "أنه لا يصح أن يأتي في الشرع ما يضاد العقل، فإنه الذي يشهد بصحة الشرع ويزكيه من وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول".

فإذا كان الأمر كذلك لم تكن جميع المعقولات أصلاً للنقل، فإذا وجد ما يعارض السمع من المعقولات التي لا يتوقف العلم بصحة السمع عليه، لم يكن القدح فيه قدحاً في أصل السمع، وليس القدح في بعض العقليات قدحاً في جميعها، ولا يلزم من صحة بعض العقليات صحة جميعها، كما لا يلزم من صحة بعض السمعيات صحة جميعها.

وحينئذ فلا يلزم من صحة المعقولات التي تبنى عليها معرفتنا بالسمع


(١) ابن العربي: سراج المريدين: ٤٤/ ب.
(٢) ص: ٦٤٦.

<<  <   >  >>