للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ابن العربي واستدلاله على وجود الله وصفاته العلى]

تعرض ابن العربي رحمه الله في فصل "ذكر معرفة النفس" إلى دلالة الأنفس على وجود الله سبحانه فأجاد وأفاد، ملتزماً في سوقه للأدلة بالطريقة الشرعية (١). وتعتمد هذه الدلالة على ما يعرض للِإنسان من أطوار، كما تعتمد من جهة أخرى على أنه خلق في أحسن تقويم، وذلك كله مشاهد لا يخفى على أحد. فكل عاقل يعرف من أحوال نفسه أنه كان نطفة، فصارت النطفة علقة، ثم مضغة، ثم لحماً وعصباً وعظاماً. وآلات وحواس موافقة لمصالحه، ثم بعد الانفصال من قرار مكين، تعاقبت عليه الأحوال من صغر وكبر، وقوة وضعف، وجهل وعقل، فلا بد لهذه التغيرات من مغيّر قادر عالم، فتبارك الله أحسن الخالقين.

كذلك هذا الِإحكام الدقيق، والعناية والِإبداع العجيب في خلق الإِنسان، وتركيب حواسه، ووضع كل عضو في موضعه المناسب لأداء وظيفته (٢)، كل هذا يدل دلالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض على وجود الخالق سبحانه وتعالى (*).

ويذهب ابن العربي -أحياناً- مذهباً آخر، فيثبت صفات الباري تعالى بطريق العقل (٣)، معتمداً على ما ذهب إليه شيوخ الأشاعرة، فرؤية العبد لما هو عليه من الخروج من حالة العدم إلى حالة الوجود، والانتقال من صفة إلى صفة، والاختصاص بحالة دون حالة بالمزايا المختلفة من العلم والنطق


(١) ص: ٤٥٧.
(٢) ص: ٤٦٠.
(*) للوقوف على الطرق التي استعملها ابن العربي في الدلالة على وجود الله سبحانه وتعالى انظر الدكتور عمار طالبي: آراء أبي بكر بن العربي الكلامية ١/ ٢٤٠ - ٢٤٦.
(٣) من المعلوم أن ابن العربي يميل في هذا المجال إلى إثبات صفات الله عز وجل بمنهج عقلي صرف، نعم لا مانع لديه بعد إثبات الصفة من أن يدلل عليها بالنقل، ولكن الأصل في الاستدلال هو العقل لا السمع، ونراه ينتقد بعنف إمام الحرمين الجويني لأنه يعتمد على السمع فقط. انظر قانون التأويل: ٤٦١.

<<  <   >  >>