للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعدول عن الحقيقة إلى أنه نور هادي أو منور وما أشبه ذلك مجاز من غير دليل لا يصح" (١).

[أبو بكر بن العربي وموقفه من الفضائل الأربعة]

تكلم ابن العربي في فصل "ذكر تمام الوصول إلى المقصود من معرفة النفس والرب" (٢) عن أصول الفضائل التي هي علامات النجاة للنفس باكتسابها لها، وحصرها في أربعة مواطن: الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة، وبالرغم من اتباعه لمنهج الفلاسفة في هذا الحصر، فإنه لم يسلم بالمعاني والتفسيرات التي ارتضوها، بل حاول جاهداً أن يستخرج أصول هذه الفضائل من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة. معتمداً على المعاني اللغوية الأصلية، فهل وُفِّقَ ابن العربي في تصديه لهذا الغزو الفكري الذي غزا عقول جماعة كبيرة من علماء الأخلاق الِإسلاميين؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا المبحث مستعينين بالله وحده:

اختلفت آراء الفلاسفة في تحديد الفضيلة منذ زمن طويل، فكان السوفسطائيون يزعمون أنهم مُعَلِّمُو فضيلة، ويقصدون بالفضيلة أنها كمال استعداد كل كائن فيما خلق له، ففضيلة السياسي كماله في المهارة وفوزه من أي طريق، وفضيلة الرائض مهارته في تدريب الخيول ... إلخ (٣).

ولكن سقراط كان يرى أنه لا فضيلة إلاَّ المعرفة، ويترتب على ذلك أن الإنسان لا يستطيع أن يعمل الخير ما لم يعلم الخير، وكل عمل صدر لا عن علم بالخير فليس خيراً ولا فضيلة، وإذا كان العلم هو الفضيلة فالجهل هو الرذيلة، وقد اعترض على نظرية سقراط هذه بأنه يحدث كثيراً أن نعلم الخير


(١) الأمد الأقصى ٩٢/ ب.
(٢) قانون التأويل: ٤٨٠.
(٣) أبو بكر ذكرى: تاريخ النظريات الأخلاقية: ٥١.

<<  <   >  >>