للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعالم الأمر فقال: "وأبو حامد يفرق بين عالم الخلق وعالم الأمر، فيجعل الأجسام عالم الخلق، والنفوس والعقول عالم الأمر، وهذا أيضاً ليس من دين المسلمين، بل كل ما سوى الله مخلوق عند المسلمين، والله تعالى خالق كل شيء" (١).

وقد صدق ابن العربي عندما وصف أصحاب هذا الاتجاه بأنه اعتصام بمذهب النصارى من أن الروح انفصل من ذات الله وحل بعيسى فعبدوه، فعيسى عندهم روح من الله حل في مريم فهو غير مخلوق، ولا خلاف بين المسلمين أن الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشاها وكونها واخترعها، ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه قال تعالى:

{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣].

فأما احتجاج الصوفية في إثبات مذهبهم بقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥]. فمعلوم قطعاً أنه ليس المراد ها هنا بالأمر الطلب الذي هو أحد أنواع الكلام، بل المراد به ها هنا المأمور، وهو عرف مستعمل في لغة العرب، وفي القرآن منه كثير كقوله تعالى:

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] أي مأموره الذي قدره وقضاه وقال له كن فيكون.

وكذلك قوله تعالى: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: ١٠١] أي مأموره الذي من إهلاكهم، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النحل: ٧٧].


(١) الرد على المنطقيين: ١٩٧.

<<  <   >  >>