للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فليس في قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} ما يدل على أنها قديمة غير مخلوقة بوجه ما (١).

أما استدلالهم بإضافتها إليه بقوله: "من روحي" فينبغي أن يعلم أن المضاف إلى الله تعالى نوعان: صفات لا تقوم بأنفسها كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر، فهذه إضافة صفة إلى الموصوف بها، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له، وكذا وجهه ويده سبحانه، والثاني: إضافة أعيان منفصلة عنه، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح، فهذه إضافة مخلوق إلى خالقه، لكن إضافة تقتضي تخصيصاً وتشريفاً، يتميز بها المضاف عن غيره (٢)

كبيت الله وإن كانت البيوت كلها ملكاً له، وكذلك ناقة الله، والنوق كلها ملكه وخلقه، لكن هذه إضافة إلى إلهيته تقتضي محبته لها وتكريمه وتشريفه، بخلاف الِإضافة العامة إلى ربوبيته حيث تقتضي خلقه وإيجاده، فالإضافة الشفافة تقتضي الإيجاد، والخاصة تقتضي الاختيار، وإضافة الروح إليه من هذه الِإضافة الخاصة لا من العامة، ولا من باب إضافة الصفات (٣).

أما قولهم: إن الروح من عالم الأمر والأمر ما لم يكن كَمِّياً مقدراً، فهذا من لغو الكلام، فإن العقلاء متفقون على أن الإنسان هو هذا الحي الناطق المتغذي الحساس المتحرك بالإرادة وهذه الصفات نوعان: صفات لبدنه، وصفات لروحه، فلو كانت الروح جوهراً مجرداً لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلة به ولا منفصلة عنه، لكان الإنسان لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، أو كان بعضه في العالم، وبعضه لا داخل العالم ولا خارجه، وكل عاقل يعلم بالضرورة بطلان ذلك.

أما الأدلة على خلق الروح فهي كثيرة جداً نقتصر على بعضها فنقول:

الدليل الأول: قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢].


(١) ابن القيم: الروح ١٥٠، ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية ٣٤٦.
(٢) ابن أبي العز: شرح العقيدة الطحاوية ٣٤٦ - ٣٤٧.
(٣) ابن القيم: الروح ١٥٤.

<<  <   >  >>