للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا الحديث يدل على أنه لم يكن مع الله أرواح ولا نفوس قديمة يساوي وجودها وجوده تعالى، بل هو الأول وحده لا يشاركه غيره في أوليته بوجه (١).

الدليل الخامس: من المعلوم أن الروح توصف بالوفاة والقبض والإِمساك والِإرسال وهذا شأن المخلوق المحدث المربوب، قال تعالى:

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: ٤٢]. والأنفس ها هنا هي إلأرواح قطعاً، جاء في الحديث الصحيح عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "سِرْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلة، فقال بعض القوم: لو عَرَّسْتَ (٢) بنا يا رسول الله؟ قال: أخاف أن تناموا عن الصلاة، فقال بلال: أنا أوقظكم، فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته، فغلبته عيناه فنام، فاستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد طلع حاجب الشمس، فقال: يا بلال، أين ما قلت؟ قال: ما ألقيت عليّ نومة مثلها قط، قال: إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء. الحديث" (٣).

فهذه الروح المقبوضة هي النفس التي يتوفاها الله حين موتها وفي منامها (٤).


(١) ابن القيم: الروح ١٤٨.
(٢) التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزلة للاستراحة وللنوم.
(٣) أخرجه البخاري ٢/ ٥٤ في المواقيت باب الأذان بعد ذهاب الوقت.
(٤) آثرت سوق هذه الأدلة لكون هذه الأفكار الصوفية الفلسفية لا زالت -إلى يومنا هذا- هي المهيمنة على الفكر الصوفي ببلادنا (الجزائر وتونس والمغرب) وما كتب ورسائل الشيخ أحمد العلوي (المتوفى في الخمسينية من هذا القرن) والمعروف لدى مريديه بالشيخ ابن عليوة إلا استمرار لهذا الفكر الملحد، والغريب في الأمر أن كتبه ورسائله التي تدعو إلى هذه الفكرة وإلى الوحدة بين الأديان ترجمت إلى أكثر من لغة، كما أن نفوذه تعدى حدود المغرب الإِسلامي وتخطاه إلى المشرق العربي حيث يكثر مريدوه ولا زالت طريقته المبتدعة تلقى رواجاً في بعض عواصم أوروبا حتى يومنا هذا.

<<  <   >  >>