للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستدل بها، ولم يدع أحداً من أمته إلى الاستدلال بها على وجود الله تبارك وتعالى، بالِإضافة إلى أن هذه الطريقة مبنية على استعمال ألفاظ مجملة، ومعان مبهمة لم يعرفها العرب في تخاطبهم، ولم يستعملوها فيما بينهم، وإنما اصطلح عليها المتأخرون وحملوا عليها ألفاظ الكتاب والسنة، وظنوا أن المعنى الذي اصطلحوا عليه هو المعنى العام الذي عرفه العرب للفظ عند الِإطلاق وليس الأمر كذلك؛ لأن المعاني العامة للألفاظ قد دونتها لنا كتب اللغة والمعاجم لا كتب المتكلمين وأرباب التأويل.

يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية مبيناً زيف وتهافت طريقة حدوث العالم: "فهذه الطريقة بما يعلم بالاضطرار أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - لم يدع الناس بها إلى إلِإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه، ولهذا قد اعترف حذاق أهل الكلام -كالأشعري (١) وغيره (٢) - بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم ولا سلف الأمة وأئمتها وذكروا أنها محرمة عندهم، بل المحققون على أنها طريقة باطلة، وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدّعى بها مطلقاً، ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه، فأحد أمرين لازم له: إما أن يلتزم لأجلها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل، كما التزم جهم لأجلها فناء الجنة والنار (٣)، والتزم لأجلها أبو الهذيل انقطاع حركات أهل الجنة (٤)، والتزم قوم لأجلها -كالأشعري وغيره- أن الماء والهواء والتراب والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك (٥). والتزم قوم لأجلها ولأجل غيرها أن جميع الأعراض -كالطعم واللون


(١) في رسالته لأهل الثغر (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة رقم ١٠٥).
(٢) كابن رشد في مناهج الأدلة ١٣٦.
(٣) انظر قوله في التبصير في الدين للإسفراييني ٩٦، وأصول الدين للبغدادي ٢٣٨، التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع للملطي: ٩٥ - ٩٦، ١٣٠.
(٤) هو أبو الهذيل العلاف، من أئمة المعتزلة توفي حوالي ٢٣٥، وانظر قوله بانقطاع حركات أهل الجنة والنار: الإسفراييني: التبصير في الدين ٦٦، البغدادي: أصول الدين ٢٣٨، علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإِسلام ١/ ٤٦٠.
(٥) انظر الباقلاني في التمهيد ٤٢ (ط: مص

<<  <   >  >>