للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تردد المتكلمون في انحصار الأجناس (١) كالألوان. فقطع قاطعون بأنها غير متناهية في الِإمكان كآحاد كل جنس، وزعم آخرون أنها منحصرة، وقال المقتصدون: لا ندري أنها منحصرة أم لا؟ ولم يثبتوا مذهبهم على بصيرة وتحقيق.

والذي أراه قطعاً أنها منحصرة فإنها لو كانت غير منحصرة، لتعلق العلم منها بأجناس لا تتناهى على التفصيل، وذلك مستحيل، فإن استنكر الجهلة ذلك وشمخوا بآنافهم وقالوا: الباري سبحانه عالم بما لا يتناهى على التفصيل، سفهنا عقولهم وأحلنا تقرير هذا الفن على أحكام الصفات، وبالجملة علم الباري سبحانه وتعالى إذا تعلق بجواهر لا تتناهى، فمعنى تعلّقه بها استرساله عليها من غير فرض تفصيل الآحاد مع نفي النهاية، فإن ما يحيل دخول ما لا يتناهى في الوجود، يحيل وقوع تقديرات غير متناهية في العلم، والأجناس المختلفة التي فيها الكلام يستحيل العلم بها، فإنها متباينة بالخواص، وتعلق العلم بها على التفصيل مع نفي النهاية محال، وإذا لاحت الحقائق فليقل الأخرق بعدها ما شاء" (٢).

قلت: وقد مهّد ابن العربي في نقده لكلام الجويني بتقرير القواعد التالية:

إن المعلومات من جهة الكون (٣) تنقسم إلى واجب وجائز ومستحيل، والواجب على قسمين: واجب مطلق وهو الله وحده وصفاته، وواجب من وجه وهو ما خلقه الله تعالى من أصول العالم كالجواهر والأجسام والأعراض، فهذه يجب كونها على هذه الصفة فلا يتصور خروج الجوهر عن كونه جوهراً، ولا


(١) الجنس هو اسم دال على كثيرين مختلفين بالأنواع. والنوع اسم دال على أشياء كثيرة مختلفة بالأشخاص. التعريفات للجرجاني: ٤٢، ١٢٩.
(٢) البرهان: ١/ ١٤٥ - ١٤٦.
(٣) الكون عبارة عن خروج شيء من العدم إلى الوجود دفعة واحدة. انظر: الآمدي: المبين عن معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين: ٥٥، الجرجاني التعريفات ٩٩.

<<  <   >  >>