للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو، عالم به، فإن قلتم على التفصيل يعلم أو على الجملة؟ قلنا: لا ندرك ما تريدون! فإن أردتم بقولكم: على التفصيل، أنه لا يخفى عليه شيء فذلك صحيح، وإن أردتم بالجملة أنه يعلم شيئاً ويخفى عليه شيء فلا يصح؛ لأن الدليل قد قام على أنه لا يخفى عليه شيء فإنما نتكلم معكم في عموم علمه وخصوصه، والجملة والتفصيل عبارات باردة لا نلتفت إليها (١)، ولا نبني عليها حكماً، ولا نصف الباري بشيء منهلا، نفياً ولا إثباتاً، وإنما نصفه بما وصف به نفسه، ودلّ الدليل عليه من سعة علم، وتقدس ذاته وصفاته، وأنه لا يخفى عليه شيء كان أو لم يكن، تقدم أو تأخر فعلى هذا عوَّلوا، ودعوا بنيات الطرق، والألفاظ المحدثة، وخذوا ذات اليمين، وهو ما كان عليه السلف المتقدمون من الصحابة والتابعين" (٢).

قلت: وهكذا يعود ابن العربي بعد هذه المناقشات الحادة ليؤكد لنا أن طريقة السلف هي الأحكم والأسلم في مثل هذه المواقف التي اختلط فيها الحق بالباطل، وينبهنا على قضية مهمة في سبب نشأة الخلاف بين المتكلمين وهي الإجمال والغموض في الألفاظ والمعاني الاصطلاحية، فاستعمال الفلاسفة والمتكلمين للألفاظ العربية، بعيد كل البعد عن معانيها اللغوية الأصيلة التي استعملها العرب كما هو مدون في كتب اللغة والمعاجم، فلو فصل ما في هذه الألفاظ من الإجمال، ووضح ما في معناها من الغموض والِإبهام، فيثبت ما فيها من حق، وينفي ما فيها من الباطل لكان ذلك منهجاً قويماً ولانحل الِإشكال، واتضح الأمر.

وفي الختام أرى من المستحسن أن أثبت في هذا المبحث بعض النكت العلمية اللطيفة التي ذكرها ابن العربي في كتابه "الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى" (٣) في أثناء كلامه على اسم الجلالة "العليم" قال رحمه


(١) في الأصل: لا تلتفت لكم إليها.
(٢) العواصم من القواصم: ١٤٢ - ١٤٣.
(٣) لوحة ٦٥/ ب.

<<  <   >  >>