للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما قول الفلاسفة بأن المعجزات ترجع إلى تأثير قوى النفس: يعني أن النفس تكون مدركة لهذا التأثير وشاعرة به أو مريدة له، فمن المعلوم أن تأثير النفوس مشروط بإرادة هذه النفوس وشعورها ولكن خوارق العادات التي للأنبياء منها ما لا يكون النبي شاعراً بها، ومنها ما لا يكون مريداً لها، فلا يكون ذلك من فعل نفسه، بل ومنها ما يكون قبل وجوده، ومنها ما يكون بعد موته، مثال ذلك قصة أصحاب الفيل (١) الذين أرسل عليهم طيراً أبابيل، وكان ذلك كرامة للنبي، وكان عام الفيل عام مولده - صلى الله عليه وسلم - (٢)، وقد حدثت هذه الكرامة قبل مولده بنحو خمسين ليلة، فلم تكن له قوة نفسانية يؤثر بها، ولا شعور بما جرى، ولا إرادة له في ذلك، وكذلك كان بقاء الكعبة ألوف السنين بعد موت من بناها كرامة لإبراهيم عليه السلام (٣).

نكتفي بهذا القدر من معرفة رأي الفلاسفة في موضوع الكشف والنبوة، ونعود إلى الموضوع الذي أثاره ابن العربي في "قانون التأويل" (٤) وهو تأثر زمرة من الصوفية بآراء الفلاسفة.

فقد كثر جدل المتصوفة في موضوع علاقة القلب بالجسد، وابن العربي إذ يتعرض للآراء الإشراقية بالنقد والتزييف، إنما يقصد بالدرجة الأولى شيخه الإِمام الغزالي الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لمدرسة كبرى في التصوف الفلسفي أثرت في مسيرة الفكر الإِسلامي منذ القرن السادس إلى يومنا هذا، وذلك أن انصراف الإِمام الغزالي إلى دراسة الفلسفة والتبحر في مباحثها الشائكة إلى جانب رياضاته ومجاهداته الصوفية قد أثرا في كتاباته، فلم يسلم من التأثر المباشر وغير المباشر، وقد بدا واضحاً في "المنقذ من الضلال"


(١) انظر قصة أصحاب الفيل عند ابن فهد: اتحاف الورى بأخبار أم القرى: ١/ ١٨ - ٤٥.
(٢) انظر في مولده - صلى الله عليه وسلم -: سيرة ابن هشام ١/ ١٠٣، ابن سعد: الطبقات ١/ ١٠٠ الطبري: التاريخ ٢/ ١٢٤.
(٣) الصفدية: ٢١٩ - ٢٢٥.
(٤) ص: ١٤٨ وما بعدها.

<<  <   >  >>