للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل هي خرق عادة، أو إجابة دعوة، ونحن الآن لا نخوض في النظر فيها، فإنها تجوز بخرق العادة (١) على شروطها التي بيناها في أمالينا، ولكنها إذا جرت لا تجري بتأثير نفس، وإنما يسأل العبد الصالح ربه فيجيب دعاءه في مطلبه، ويكشف له بالمعرفة عن خفايا جهله، وهذا من الجائز القليل الوقوع، لكن الناس قد أكثروا فيه الرواية، وادعت طوائف كثيرة هذه المنزلة، فأحدث الإكثار من ذلك إنكاراً واستبعاداً في نفوس أكثر الخلق" (٢).

ويختم ابن العربي ردوده على الغزالي بذكر خاصية النبوة فيقول:

"والذي قيدت عنه (أي عن الِإمام الغزالي) وعن غيره قبله سماعاً ورواية، أن النبوة ليست بصفة ذاتية للنبي، وإنما هي عبارة عن قول الله تعالى: بلغ إلى خلقي كلامي، وهذا مما لا يصل إليه أحد بعمل، ولو كان أوفى من عمل الملائكة والآدميين، وإنما يأتي موهبة من الله، وهذه الموهبة -التي ليست لأحد فيها حيلة- دليل من الله، وهي خرق العوائد وتأثيرات في العالم، من فعل الله، تشهد بصدق الرسول .. فلا تكون من فعل أحد غير الفاعل المطلق بالحقيقة (وهو الله) " (٣).

ثم يوجه نقداً لاذعاً للغزالي بقوله:

"وبعد النظر الطويل الذي هذه إشارته، خرجت عن هذه الغمرة التي أوجبها استرسال مثله في هذه الألفاظ القلقة التي لا يصح أن يكون فيها إذن لأحد أن يذهبها، فضلاً عن أن يحققها ويسطرها، وهي أخلاط غالبة على الفؤاد، ومعاني حائدة عن سنن السداد" (٤).

قلت: والذي عليه جمهور سلف الأمة وأئمتها أن الله يصطفي من


(١) انظر الكلام عن خوارق العادات في كتاب النبوات ١١، ١٤٩، ٢٣٣، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
(٢) العواصم من القواصم: ٤٨.
(٣) م، ن: ٤٩ - ٥٠.
(٤) م، ن.

<<  <   >  >>