للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفسروها بما يوافق معناها ودلالتها (١)، ولم يسكتوا عن بيان معنى آية ما، سواء في ذلك المحكم والمتشابه ولم يرو بطريق صحيح ولا سقيم أن أحداً من سلف الأمة وأئمتها جعل أسماء الله وصفاته من المتشابه الذي ينبغي إمراره وتفويضه إلى الله، كما لم يرو عنهم بأي طريق من طرق الرواية أنهم جعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، وقالوا: إن الله أنزل كلاماً لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا: تمر كما جاءت أي أثبتوا لها معاني صحيحة، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها وأقروا بالنصوص على ما دلت عليه من معناها ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، وهذا الفهم هو الفهم عينه الذي طبقوه في سائر النصوص كالوعد والوعيد والفضائل وغير ذلك، فهذا الإِمام أحمد قال في غير أحاديث الصفات تمر كما جاءت، فقد روي عنه أنه قال مثل ذلك في الحديث الشريف: "من غشنا فليس منا" (٢) ومقصوده بذلك أن الحديث لا يحرف كلمه عن مواضعه، كما هو الحال عند من يحرفه ويسمى تحريفه تأويلاً بالعرف المتأخر (٣).

ونقول لفقيهنا أبي بكر بن العربي -غفر الله لنا وله-: إن الله سمى نفسه في القرآن الكريم بأسماء كثيرة، ووصف نفسه بصفات عديدة، فهل كل هذه الأسماء والصفات هي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله؟ سيكون رد فقيهنا بالنفي على الوجه المعلوم في كتبه من إثبات بعض الصفات دون البعض كما هو مذهب الأشاعرة، فنقول له: إن دلالة القرآن الكريم على أنه سميع بصير عالم، كدلالته في ذكره لرحمته وعلوه واستوائه وما إلى ذلك من


(١) فها هو ذا عبد الله بن مسعود يقول: " ... ولقد علم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أعلمهم بكتاب الله، ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه" أخرجه مسلم في فضائل الصحابة رقم: ٢٤٦٢ وانظر الخطيب البغدادي في الرحلة في طلب الحديث رقم: ٢٥ (ط: د. العتر).
(٢) أخرجه مسلم في الإيمان رقم: ١٠١ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من غشنا فليس منا، والترمذي في البيوع رقم: ١٣١٥، وأبو داود في الإجارة رقم: ٣٤٥٢ وابن ماجه في التجارات رقم: ٢٢٢٤.
(٣) ابن تيمية دقائق التفسير ١/ ١١٥ (جمع وتحقيق محمد سيد جلين

<<  <   >  >>