للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الركون إلى ذلك غفلة وغرور وأمن من المكر، وإنما ينبغي للمحب أن يكون مع حبيبه متدرجاً على بساط الوصل الظاهر بتحفظ وتيقظ وتوقف وتشوف.

الرابع: أنه قال: {وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْر} والِإرادة أحد أسباب التقدير والِإيجاد، فربما اقترنت بما هو في ذلك معها معجلاً أو مؤجلاً حسبما وقع به العلم، والِإمساس إيجَاد وَقَع بِالقُدْرَةِ وَالِإرَادَة وسائر الأسباب والشروط، فعلق الخير المتركب بالِإرادة، وعلق الضر المتوقع المغفول عنه بالإِيجاد، ليعلم العباد أنهم وإن غفلوا عنه فهو أقرب إليهم.

والخامس: أنه عرّف التفسير بإضافته إليه كما قدّمناه، فلما أوجب عين الضر من الخوف، أبدل مكانه بقوله {وَإِنْ يَمْسَسْكَ} ما لا يُقَدَّر قدرُهُ من السرور والطرب كأنه قال: إن كان الضر يخلقه فِيَ أو ينزله بي، فذلك من الذكرى والاهتمام فغشيهم لذلك طرب حيث ذكرهم مولاهم وإن كان بما ساءهم كما قال الناظم في المخلوق:

لَئِنْ سَاءَنِي أنْ نِلْتِنِي بِمَسَاءَةٍ ... لَقَدْ سَرَّني أنِّي خَطَرْتُ بِبَالِكِ (١).

السادس: أن الضر عبر عنه بالِإمساس لما فيه من عظيم الِإحساس،


(١) البيت لابن الدُّمَيْنَة في ديوانه: ١٧ (ط: دار العروبة بالقاهرة ١٩٥٩ بتحقيق أحمد راتب النفاخ) من قصيدة مشهورة له مطلعها:
"قفي يا أمَيْمَ القلب نقض لبانة ... ونشك الهوى ثم افعلي ما بدا لك"
وقد وردت هذه القصيدة في كثير من كتب الأدب، وأدخلها الأدباء في اختياراتهم في شعر النسيب. وانظر تخريج هذه القصيدة باستيفاء في ملحق ديوان ابن الدمينة: ٢١٧ - ٢١٩.

<<  <   >  >>