للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدور (١)، أما إنه قد تأتي آيات متشابهات، وأحاديث مشكلات يعارض بعضها بعضاً، ويناقض بعضها دليل الشرع، وها هنا علم عقلي يستضاء به في هذه السُّرْيَةِ (٢)، ودليل شرعي يرشد في هذه المَضِلَّةِ.

إن العقل والشرع إذا تعارضا، فإنما ذلك في الظاهر بتقصير الناظر، وقد يظهر للناظر المقصر أن يجعل الشرع أصلاً فيرد إليه العقل.

وقد يرى غيره أن يجعل العقل أصلاً فيرد الشرع إليه.

وقد يتوسط آخر فيجعل كل واحد منهما أصلاً لنفسه.

فالناظر الذي قدم المعقول سيأتيه من ظاهر الشرع ما يقلب حقيقة الشرع، ولا سبيل إليه.

والذي يجعل العقل أصلاً، والشرع تبعاً، إن أخذه كذلك مطلقاً وَرَدَ ما ينكره القلب ببادىء الرأي في مورد الشرع مما يستحيل في العقل، فإن وقف في وجه الشرع فهو مكذب، وإن قال بما في الشرع فهو متناقض، وإن توسط فهو الناظر العدل، يجعل كل واحد منهما أصلاً، عقلاً ونقلاً، وينظم سلك المعرفة من دررهما.


= المريدين: ٤٥/ أ، المسالك في شرح موطأ مالك: ٢، وينبغي التنبيه على أن الجويني قد سبق ابن العربي في تأصيل هذه القواعد العقدية وذلك في كتابه الإرشاد: ٣٥٨ - ٣٦٠، وكذلك الغزالي في رسالة "قانون التأويل" (ط: الكوثري) وقد بينا في دراستنا التمهيدية لهذا المخطوط الرأي الحق في مثل هذه القضايا، فانظره لزاماً.
(١) قال الشريف الجرجاني: "الدور هو توقف الشيء على ما يتوقف عليه" التعريفات: ٥٦، وانظر تفصيل الكلام على الدور وأنواعه في منهاج السنة لابن تيمية: ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩، والرد على المنطقيين: ٢٥٧، ودرء تعارض العقل والنقل: ٣/ ١٤٣ - ١٤٤، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي: ٢/ ٢٥٦ - ٢٥٩ (ط: تراثنا).
(٢) قال الجوهري: سَرَيْت سُرىً وَمَسْرىً وَأسْرَيْتُ بمعنى إذا سِرْتُ لَيْلاً- الصحاح: ٦/ ٢٣٧٦.

<<  <   >  >>