للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدروس والنقد النزيه للأوضاع المعاشة صداها البعيد في مراكش عاصمة المرابطين، فأصدر علي بن يوسف بن تاشفين مرسوماً بتولية أبي بكر بن العربي قضاء إشبيلية يحمل تاريخ منسلخ جمادى الثانية سنة: ٥٢٨ (١).

وتتفق كلمة المؤرخين على أنه كان مثال العدل والاستقامة (٢)، صُلْباً في الحق، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، قال عنه تلميذه ابن بشكوال: " ... استقضى ببلده فنفع الله به أهله لصرامته وشدته، ونفوذ أحكامه، وكانت له في الظالمين سورة مرهوبة" (٣) و"مع الرفق بالمساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (٤).

وقد عثرت -في كتابه سراج المريدين- على نص له أهمية بالغة، يوضح لنا فيه كيفية قبوله لهذا المنصب الخطير، وما اعترضه فيه من متاعب ومصاعب نرجو من الله تبارك وتعالى أن يجعلها في ميزان حسناته يوم القيامة بمنه وكرمه. وهذا النص -وإن طال- فلا يخرج عن الِإفادة بذكره والاستفادة من نشره. يقول الفقيه ابن العربي في شرحه للآية الكريمة: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٥].

"لما علم من قوة نفسه، ورأى من تضييع الحق وتعطيل الحدود، وفساد الخلق في الأرض، ما حمله على إرادة إظهار الحقوق. ففي ذلك أسوة لمن قَدَرَ من نفسه على القيام بالحق أن يَقْبَلَهُ إذا جُعِلَ إليه. ولقد اقتديت أسوة بذلك، مع أني من أكثر الخلق ذنوباً وعيوباً، وأقلهم منزلةً به، فإني لما دعيت إلى ولاية القضاء قَبِلْتُه مختاراً لثلاثة أوجه:


(١) البيان المغرب: ٤/ ٩٢ - ٩٤، وذهب أستاذنا الدكتور عمار طالبي إلى أن توليته القضاء كان سنة: ٥٠٨ وهو وهم منه.
(٢) انظر الصلة: ٥٩١، الديباج المذهب: ٢٨٣، العبر للذهبي: ٤/ ١٢٥، المرقبة العليا: ١٠٥ - ١٠٦.
(٣) الصلة: ٢/ ٥٩١.
(٤) النص الثاني هو للِإمام المقري في أزهار الرياض: ٣/ ٦٣.

<<  <   >  >>