للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الجملة سواء صَحَّ أو لم يصح، فلا اعتراض ولا تعارض" انتهى. ومن ألدّ خصوم ابن العربي أبو القاسم محمد الصدفي المعروف بالزنجاني الِإشبيلي فقد كان لا يجد فرصة للطعن عليه إلاّ اهتبلها، واتفق ذات يوم أن حضر الناس إلى الجمعة بالجامع الأعظم بإشبيلية، فتغيب الخطيب لعذر قاهر، فلم يكن بد من أن يقوم للصلاة قاضي البلد -وهو- إذ ذاك- أبو بكر بن العربي، وعندما قام ليخطب -وهو الخطيب المفوَّه- لم يجد حَرفاً من الخطبة فأرتج عليه، فقال: يا أيها الناس، قولوا لا إله إلاَّ الله، فقالوها، فقال روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إِذَا قَالَ العَبْدُ لَا إلهَ إلّاَ الله اهْتَزَّ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ ... الحديث، ثم تلا آية الكرسي وقال: روينا عن عكرمة وابن عباس أنهما قالا:" العُرْوَةُ الوُثْقَى لَا إلهَ إِلَأ الله، ثُمَّ قَرَأ" {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} الآية وقال: اذكروا الله يذكركم، فأقيمت الصلاة فصلى.

وما إن انتهى الناس من صلاتهم، حتى وقف الزنجاني وقال: يا أهل هذا المسجد، أعيدوا صلاتكم، ولكن أبا بكر بن الجد، قام على الأثر فردّ عليه وقال: يا أهل إشبيلية إن صلاتكم صحيحة، فخطبة إمامكم تضمنت آيات من كتاب الله، وجملاً من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأي كلام له بال أعظم من هذين، فانصرف الناس عن جمعة.

وقد حملته خصومته لابن العربي على التوجه إلى مراكش وتحمل أعباء السفر للسعاية به والمطالبة بتنحيته -أيام كان قاضياً- من منصب القضاء، وظل يتردد على البلاط التاشفيني حتى أدركه أجله غريباً عن أهله سنة: ٥٢٩ وسيق إلى إشبيلية ودفن بها (١).

وفقيهنا رحمه الله (٢) كثيراً ما يرفع عقيرته بالشكوى من حاسديه والمتربصين به، يقول في العارضة: " ... إلاَّ أني منيت بحسدة لا يفتؤون،


(١) بغية الملتمس: ٨٧ - ٨٨.
(٢) معجم ابن الأبار: ١١٨، الإعلام لعباس بن إبراهيم: ٤/ ٧٦ (ط: فاس).

<<  <   >  >>