للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن آدم" (١) الحديث وربما يروى عنه عليه السلام أنه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن ليلة إلا ووصيته تحت وسادته" (٢).

وأما الإيصاء فشفقة على نفسه وذريته الضعفاء بإقامة أمين كاف مقام نفسه وقبول الوصي أيضًا شفقة على أخيه الميت ووفاء حسن العهد والله يحب المحسنين والوصية من سنن الأنبياء والمرسلين قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهيمُ بَنِيهِ} [البقرة: ١٣٢] الآية فمنها فريضة كبقضاء ديونه والكفارات ونحوها ونافلة كبوجَوب القرب وحث الأولاد والأحبة على الثبات على الحق وهي سنة النبوة وببناء الرباطات ومواضع الخير وبالدفن في موضع مبارك وختم القرآن عليه والتصدق على زواره ونحوها.

[المبحث الرابع: في المزاجر]

ففى القصاص حياة أي في شرعه واستيفائه وقد علم وإنما قتل الشريف للخسيس لأن الكل في العبودية سواسية وإذ لا نجد نفسين إلا وبينهما تفاوت وصفًا فلو اعتبر تعذر القصاص وتبقى الفتنة وإنما شرع لتسكين الفتنة الثائرة بالقتل ظلمًا وكون المقتول ميتًا بأجله لا ينافي كون القاتل متعديًا عن طوره ومقتصًا منه بأجله لأن تقدر الأسباب مع مسبباتها لا ينافي السببية.

وفي حد الشرب زجر عن الخمر المحرمة لسلبها العقل بعد ما كانت في الأمم السالفة مكروهة كراهة التنزيه فأولا لأن معجزة نبينا عليه السلام عقلية وهي القرآن فحرم ما يستر العقل ليبقى مجال الفكر ويقينهم بحقية الدين دائما وثانيا لأن القرآن كنز الأسرار والأحكام ولم يزل علماء الأمة يستنبطونها منه فكانوا أحوج إلى العقل من سائر الأمم وصح أنه ما شربها نبي قط فهذا زيادة كرامة لهذه الأمة وإنما لم يحرم في ابتداء الإِسلام ليعاينوا شرها ويعرفها المنة في تحريمها ولأن في تحريم ما تعودوا عليه دفعة مظنة عدم الانقياد كما في قوم موسى عليه السلام لما أنزل التوراة عليهم دفعة لم ينقادوا إلى أن لخوفوا بالهلاك برفع الطور وغيره وفي تدريج تحريمه الذي ثم في الرابعة تعويد لمكان شره


(١) بلفظ "إذا مات الإنسان" أخرجه مسلم (٣/ ١٢٥٥) ح (١٦٣١) وابن الجارود في المنتقى (١/ ١٠١) ح (٣٧٠) وأبو عوانة في مسنده (٣/ ٤٩٥) ح (٥٨٢٤)، والترمذي (٣/ ٦٦٠) ح (١٣٧٦) وقال حسن صحيح، والبيهقي في الكبرى (٦/ ٢٧٨) ح (١٢٤١٥) وأبو داود (٣/ ١١٧) ح (٢٨٨٠)، والنسائي في الكبرى (٤/ ١٠٩) ح (٦٤٧٨) والإمام أحمد في مسنده (٢/ ٣٧٢) ح (٨٨٣١).
(٢) أخرجه البخاري (٣/ ١٠٠٥) ح (٢٥٨٧)، ومسلم (٣/ ١٢٤٩) ح (١٦٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>