للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثله قراءة أبي العالية {لا تنفع نفسًا إيمانها} (٦١١) بالتاء، والفعل مسند إلى "الإيمان" لكنه في المعنى طاعة وانابة، فكان ذلك سببا اقتضى تأنيث فعله.

ولا يجوز أن يكون تأنيث فعل الإيمان لكون الإيمان سرى إليه تأنيث من المضاف إليه، كما سرى بن "الرياح" إلى إلى "مر" (٦١٢) في قول الشاعر (٦١٣):

١٠٣ - مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أغاليها مر الرياح النواسم

لأن سريان التأنيث من المضاف إليه إلى المضاف مشروط بصحة الاستغناء به عنه، كاستغنائك بالرياح عن الـ "مر" في قولك: "تسفهت أعاليها الرياحُ، وذلك لا يتأتي في "لا تنفع نفسا إيمانها" لأنك لو حذفت "الإيمان" وأسندت "تنفع" إلى المضاف إليه لزم إسناد (٦١٤) الفعل إلى ضمير مفعوله، وذلك لا يجوز باجماع؛ لأنه بمنزلة قولك "زيدًا ظلم" تريدْ: ظلم زيد نفسه فتجعل فاعل "ظلم" ضميرًا لا مفسر له إلا مفعول فعله، فتصير العمدة مفتقرة إلى الفضلة افتقارأ لازمًا، وذلك فاسد. وما أفضى إلى

الفاسد فاسد.

وقد خفي هذا المعنى على ابن جني، فاجاز في "المحتسب" أن تكون قراءة أبي العالية من جنسى (تسفهت أعاليها مَرُ الرياح) (٦١٥) وهو خطأ بين، والتنبيه عليه متعين.

وقد يصح قول ابن جني بأن يجعل لسريان التأنيث من المضاف إليه إلى المضاف سبب آخر، وهو كون المضاف شبيها بما يستغنى عنه، فالايمان، وإن لم يُستغن (٦١٦) عنه في "لا تنفع نفسا إيمانها" قد يستغنى عنه في "سرتنى إيمان الجارية ". فيسرى إليه التأنيث بوجود الشبه، كما يسرى إليه لصحهّ (٦١٧) [١٤و] الاستغناء عنه.


(٦١١) الانعام ٦/ ١٥٨. وينظر: المحتسب ٢٣٦/ ١.
(٦١٢) ب: البر. تحريف.
(٦١٣) مر ذو الرمة في ديوانه ٢/ ٧٥٤ برواية"رويدًا"، بدلا من "مشيبن". وينظر: كتاب سيبويه ١/ ٥٢و٦٥معجم شواهد العربية ١/ ٣٦٣.
(٦١٤) أ: استناد. تحريف.
(٦١٥) المحتسب ١/ ٢٣٧.
(٦١٦) ب: يستغنى. تحريف.
(٦١٧) ج د: بصحة. تحريف.

<<  <   >  >>