للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: بل إذا أُريد به اللفظُ يصبر عَلَمًا لِنَفْسِهِ، وحينئذٍ تكون هي المُنَادى.

واعلم أن محمدَ بنَ مقاتل هذا تمليذ عبد الله بنِ المبارك، وهو تلميذُ الإمام أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى، فإذَن هو حنفيُ يُرْوى عنه في الفقه.

قوله: {وكانَ الإنسانُ أكْثَرَ شيءٍ جَدَلًا} [الكهف: ٥٤] فَتَرْكُ العملِ والاعتمادُ على القَدَر سَمَّاه القرآنُ جدلا. وحَاصِله أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يَرْضَ مِنْ تَمَسُّكِهِ بِالقَدَر، فإنَّ المرءَ إذا لم يستطع القيامَ على شيء فهو عُذْرٌ صحيح، ويغمض عنه عند الكرام. أمَّا إذا لم يهيىء نَفْسَه واحتال بالقَدَر ولاذَ به فهو مُجَادِلٌ لا معذورٌ، ولذا لم يَرْضَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلّم.

١١٢٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِى الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ «قَدْ رَأَيْتُ الَّذِى صَنَعْتُمْ وَلَمْ يَمْنَعْنِى مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَاّ أَنِّى خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ»، وَذَلِكَ فِى رَمَضَانَ. أطرافه ٧٢٩، ٧٣٠، ٩٢٤، ٢٠١١، ٢٠١٢، ٥٨٦١ - تحفة ١٦٥٩٤ - ٦٣/ ٢

١١٢٩ - قوله: (إنِّي خَشِيْتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ) وهل من السُّنَن الإلهية إيجابٌ شيءٍ بالتزام الناسِ أمرًا كالتزام الفريضة في زمن نُزولِ الوحي؟ فما يُعْلَم من سُنَن الدين أنه قد يُوْجَبُ لكونِهِ محبوبًا عند الله سبحانه وتعالى. كالتراويح، فإنهم إذا التزموه خَشِي النبيُّ صلى الله عليه وسلّم افتراضَه، وقد يُشَدَّد من جهةِ الله سبحانه معاتبةً أيضًا، وهذا إذا شدَّد المرءُ على نَفْسه مضادةً كما في قصة البقرة.

ثُمَّ في «البدائع» عن القاضي عياض: أنَّ الشُّروعَ في النَّفْل نَذْر فِعْلِيّ، فيجبُ كالنذر القولي، وهذا يفيد الحنفية. قلتُ: ويُسْتأَنسُ له من هذا الحديث أيضًا، فإنَّه يُشْعِر بأن الشيءَ قد يَجِب بالالتزام أيضًا.

٦ - باب قِيَامِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ

وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ، {انْفَطَرَتْ} انْشَقَّتْ.

كان يَفْعَلُ ذلك عند نزول أوائل المُزَّمِّل صيانةً للقَدْر المفروض، فإنه أَمْرٌ بقيامِ الليل كلِّه إلا قليلا. وفي الروايات: أنَّ اللَّهَ سبحانه كان خَيَّره في قيام الليل فأحيا كله إلى سَنَةٍ من عند نَفْسِه حتى تورَّمت قدماه، ونزل التيسير. وقد مَرَّ معنا التردُّد في كتاب الإيمان، أنَّ المأمورَ به كان هو القيامَ بالليل كلِّه أو بَعْضِه، كما يُشْعِر به أوَّلُهَا، أو القرآن كما يُشْعِر به قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤] والقيامُ يتأدَّى بِتَرْك الهُجُود فقط. فالنظرُ يَدُور في أن الأصلَ هو القيامُ والترتيل تكميلٌ له، أو الأصلَ هو الترتيلُ والقيامُ لأجْل الترتيل والذي ظهر لي أنَّ المأمورَ به هو

<<  <  ج: ص:  >  >>