للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المناط. وإنَّ ذِكْر المكتوبة كان في ذيل تقبيحه. ففيها: «والذي رأيتُهُ يَشْدَخُ رأسَه فرجلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يَعْمَل فيه بالنهار، يفعل به إلى يوم القيامة» ... إلخ فَتَرْكُ المكتوبةِ جريرةٌ عظيمةٌ، إلا أن هذا الجزاءَ المخصوص لِرَفْض القرآن، وله المدخل فيه خاصَّةً. ولذا ترى يذكُر معه تَرْكَ المكتوبةِ تارةً، ولا يذكُر أخرى. وهناك أتى الحافظ (١) رحمه الله تعالى برواية: «إنَّ الشيطانَ يأتي بحبل في سبعينَ ذراعًا. فَيَنْفُثُ فيه: عليك ليلٌ طويل». فيفوتُ عنه وِتْرُهُ - بالمعنى. وفيها لفظُ الوِتْر، فهذا يفيدُ الحنفية رحمهم الله تعالى.

فإن قلتُ: الذي نام بعد ما صلَّى العشاءَ فذلك رجلٌ نام على خير، فَلِم مَكَّنَ اللَّهُ تعالى منه الشيطانَ؟ قلتُ: ومِثْلُه يَرِد على طَعَامِ مَنْ ترَك التسميةَ أيضًا. والوجه أنَّ في مِثْلِه وَرَدَالتقبيحُ من الشارِع فَحَسْب، أما بابُ الإِيجابِ فَأَمْرُ آخَر. ثم إنَّ البخاري أخرجه في باب تعبير الرؤيا (ج ٢/ ١٠٤٣) وفيه في ذلك الرجل: «إنا أَتينا على رجلٍ مُضْطَجِعٍ، وإذا آخَرُ قائمً عليه بصخرةٍ» ... إلخ. وفي صدر الجزء السادس: «مضطجعٌ على قَفَاه».

وإنما عُذِّب مُضْطَجِعًا على قَفَاه، لأنه كان نامَ عن قرآنه كذلك. ولَمَّا كان القرآنُ في الرأسِ، ثَلَغ رأسَه جزاءً من جِنْسٍ عَمِلَه. فَذِكْر النَّوْمِ عنه بالليل، وتَرْك العملِ به في النهار يؤيده أيضًا، فإنَّ الصلواتِ سواءٌ كانت ليليةً أو نهاريةً تَرْكُهَا سواء، فَلا دَخْلَ لليلتها في ثَلْغ الرأس، فالعذابُ بِتَرك المكتوباتِ على تَرْك الليلةِ والنهاريةِ سواء، فلا تَظَهر لِذِكْر الليل فائدة. على أن ثَلْغَ الرأسِ لا يناسِبُ جزاءً لِتَرْكِ الصلاةِ بخلاف تَرْك القرآن. فهو جزاءٌ لِتَرْك القرآنِ قطعًا، ولأجله شُرِعَت صلاةُ الليلِ، وهو الذي يَتَرشَّح من قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: ٤] فالمأمورُ به هو القرآنُ والصلاة لأَجْلِ ترتيلِ القرآنِ فيها. ولذا خَصَّصَ أَهْلَ القرآنِ بمزيدِ التأكيدِ بها وقال: «فأوتُرُوا يا أهلَ القرآنِ».

والحاصل: أنَّ المقصودَ أولا هو حِفَاظةُ القرآنِ وهي أَوْكَدُ على الحِفَاظ. ثُمَّ عمَّت الوظيفةُ لسائر الناسِ، ووجب الوتر في صلاة الليل على مَنْ حَفِظَ القرآن ومَنْ لم يَحْفَظه.

١٣ - باب إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ فِى أُذُنِهِ

١١٤٤ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَقِيلَ مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ مَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ. فَقَالَ «بَالَ الشَّيْطَانُ فِى أُذُنِهِ». طرفه ٣٢٧٠ - تحفة ٩٢٩٧

وبوله أَخَفُّ من الوعيد وأَرْفع من التقبيح. فأشدُّهَا الثَّلْغُ، ثُمَّ البول، والعقد أخفُّهَا. وبالجملة هو ضررٌ كونيٌّ لا يقومُ حجَّةً على الوجوب وإن استشعر الحافظ رحمه الله تعالى منه الوجوبَ، ثُمَّ رام عنه التفضيِّ بوَجْهٍ مَرَّ ذِكْرُهُ.


(١) أخرج الحافظ رحمه الله تعالى عن سنن سعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه: "ما أصبح رجلٌ على غيرِ وتْر إِلَّا أصبح على رأسِه جُريرٌ قَدْرَ سبعينَ ذراعَا". اهـ. -ص ١٧ ج ٣ - .

<<  <  ج: ص:  >  >>