للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأرجح عندي أن تُتَتَبَّع أفعالُه صلى الله عليه وسلّم فَيُحْكَم بالجوازِ بِقَدْر مَا ثَبَت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ويُمْنَع عَمَّا زاد عليها. وهذا فيما لم يَقُم فيه دليلُ التخصيص، وحيث قام دليلُ التخصيص فإِنه يُقْتصرُ عليه، ولا يجوزُ للأمة، ويكون مفسِدًا لصلاتهم. لكن لا ريبَ أن التفويضَ إلى رَأي المُبتلَى به مُشْكِل في العمل. فإِنَّ كلَّ عملٍ اعتاد عليه الإِنسان يراه قليلا، وما لم يَعْتَد عليه يراه كثيرًا. كما وقع للأميرِ الكاتب الإِتْقَاني لما جلس للتدَّريس بالشام، أفتى بفسادِ الصلاةِ بِرَفْع اليدين، وزَعَم أنه عَمَلٌ كثيرٌ يُفْسِد الصلاةَ. فردَّ عليه الشيخُ تقيُّ الدين السَّبْكي وقال: إنَّ الخلافَ فيه في الأفضليةِ دونَ الجوازِ، وقَرَّره فلم يَقْدِر على جوابه.

٢ - باب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْكَلَامِ فِى الصَّلَاةِ

١١٩٩ - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ فِى الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِىِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ «إِنَّ فِى الصَّلَاةِ شُغْلاً». طرفاه ١٢١٦، ٣٨٧٥ - تحفة ٩٤١٨

حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَهُ. تحفة ٩٤١٨

١٢٠٠ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى - هُوَ ابْنُ يُونُسَ - عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ قَالَ قَالَ لِى زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِى الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) الآيَةَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. طرفه ٤٥٣٤ - تحفة ٣٦٦١ - ٧٩/ ٢

وهي تبعيضيةٌ عندي على ما عَلِمت من عادتي. ولعلَّه ذهب إلى مَذْهَبِ مالك رحمه الله تعالى ولم يَخْتَر مذهبَ الشافعيِّ رحمه الله تعالى، وإلا ترجم بعدم فسادِ الصلاة من الكلام ناسيًا، مع أنه قد أخرج حديثَ ذي اليدين غير مرةٍ، والمسألة فيه تلك.

١١٩٩ - قوله: (فَلمّا رَجَعْنَا مِن عِنْد النَّجاشي ... ) إلخ. قال الحجازيون: إِنَّ هذا رجوعُهم إلى مكة، وقد نُسِخ الكلام. وحديثُ ذي اليدين بَعْدَه بالمدينة، فثبت جوازُ الكلام ناسِيًا. وقال الحنفية: إن رجوعَهم كان مرَّتين، كما في السِّيرة لمحمد بن إسحاق:

الأول لما سَمِعوا أنَّ كُفَّار مكةَ أسلموا جميعًا، فلما دخلوها عَلِموا أَنَّهم قد أُرْجِف بهم، فرجعوا على آثارِهم إلا قومًا: منهم ابنُ مسعود رضي الله عنه، فإِنَّهم نزلوا لزيارتِه صلى الله عليه وسلّم ثُم ارجِعُوا إلى الحبشةِ.

والثاني: لما سَمِعُوا هجرةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، فوجدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلّم يصلِّي الحديث بطوله. وذلك بعد قِصة ذي اليدين، وحينئذٍ نُسِخ الكلامُ وأُمِر بالكسوتِ، فتكون قِصَّةُ ذي اليدين منسوخةً. وقد أطال الطحاوي في البحث عنه فراجِعْه.

<<  <  ج: ص:  >  >>