للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= خفص، فقال: أي رب! مَن هؤلاء؟ فقال: هم أُمةُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. هنالك دعا: أي رب لو جعلتني منهم. ثم إن لأنبياء اللهِ تعالى أفعالًا وسُننًا أَحَبَّهَا اللهُ تعالى منهم، فجعلها شعائرَ وشريعةٌ لِمَنْ بعدهم فكان خليل اللهِ إِبراهيم عليه السلام قال عند رؤية الشمس: هذا ربي هذا أكبر، فجعل تلكَ الكلمة تحريمة لصلاتِنا مع إِصلاحها، لتبقى تذكارًا للحُّجَّة التي كان خليل اللهِ تعالى أوتيها، فوضع مكان اسم الإشارة لفظ: الله جلَّ جلاله. والظَّنُّ أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ربي وربُك اللهُ في الدعاء عند رؤيته الهلال إصلاحٌ لإِشارته. ورُوي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام -أو أبو بكر رضي الله تعالى عنه جاء مرة للصلاة وقد ركع الإِمام، فقال: اللهُ أكبر، الحمد لله، الله أكبر، كأنه جعل الحمدَ الذي هو خلاصة الفاتحة في الوسط. فنزل مَلَكٌ من السماء وقال: سمِعَ الله لمن حمده. فَجُعِلت تلك أيضًا جزء من صلاتنا، وكذلك رأى الشمسَ آفلة لا تليق بها الربوبية، قال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إلخ. فجعل التوجِيهَ أيضًا في مُفْتَتح الصلاة. وذكر الحكيم الترمذي وهو حنفي- أن التسبيحَ تطهيرُ الأعمال، والتقديس يمحَقُ الأثقال والتكبير يرفعُ الأعمال، والتحميدَ والصلاةَ استجابةُ الدعاء. فأُدخلت كُلُّها في الصلاة، أما التسمية فهي كما قال النظامي: هست كليددر كنج حكيم بسم الله الرحمن الرحيم. وقال الأمير خسرو في "مطلع الأنوار": مطلع أنوار حذائي كريم بسم الله الرحمن الرحيم وقال العارف الجامي في "تحفة الأحرار": هست صلائي سر خوان كريم بسم الله الرحمن الرحيم.
قلت: والكلُّ حسنٌ، غيرَ أن النظامي قد سبَقهم كما يذوقه صاحب الذوق، ثُم التحياتُ تَذْكرةٌ لما جرى بين الله عز وجل وحبيبه ليلةَ المعراج فكانت في القعدة بقي القرآنُ فهو أسنى المقاصد وأَعَز المطالب. فإنَّه مناجاةٌ مع الربِّ جلَّ ذِكْره، بقي وَضْع اليمينِ على الشمال فهو لتحصيل هيئة الحِزَام، ولأنَّ لبدن الإنسانِ حصَّتان العليا والسُّفْلى والقوة الملكوتية في الأولى، والشهوانية في السفلى، وكانت السُّرة بينهما كالثغر (سرحد) فالقوةُ الملكوتية تَجذِبُه إِلى الفوق وحضرة القدس، والأخرى إلى التحت والدَّنس، فعلِّم الشَّرْع أن يَضَعَ يَدَيْه تَحْت السُّرة لتكون له سترةً من القوة الشهوانية فلا تطغى فتمنعه عن العُروج إلى الملكوت والجبروت. وقد صنف أبو طالب المَكي كتابًا سماه: "التحيات"، وذكر فيها طُرُقَ السلام في جميع الأقوام. فذكر فيه أن السلامَ في ملوك الحبشة كان بِوَضْعِ اليُمْنَى على اليُسرى فلا بُعْد أن يكون الوَضْع ناظرا إليه أيضًا، وكتب أن السلام في ملوك حِمْيَر -وهم الذين بعد تُبَّع- كان بِرَفع الإِصْبع كَرَفْع السَّبَّابة في التشهد في صلاتنا ثم تبَيَّنَ لي أن اليدين يفعلانِ ما يفعلُه البدنُ. فكما أن البدنَ يقومُ عند الاستقبال، كذلك اليدان أيضًا غيرَ أن قيامَهُما الرفْعُ واستقبالَهما أن تكون الكفان قِبَلَ القِبْلة لا كما يفعله بعضُ مَنْ لا درايةَ له من تَحْويل الكَفَّين إلى جهة الوَجْه، وبعضٌ آخرَ مِن مَسَّ الإِبهامَين شَحْمتي الأُذنين. فَإِنَّ السُّنة ما قلنا كما هو عند الطحاوي مصرَّحًا، ثُمَّ يَحْصُل الوقوفُ للبدن فكذلك اليدان أيضًا تقفان، غيرَ أن وقُوفهما القبضُ. ثُم البدنُ يركعُ فتركعُ يَدَاهُ، وركوعُهُما الاعتمادُ على الركبتين. وكان أولا التطبيقُ، ثُم نسخ وآلَ الأمْر إلى الاعتماد، ثُمَّ التطبيقُ عندي ليس على صورة التشبيك، بل بضَمِّ الكَفَّين بدون تَدَاخُل الأصابع، ومَنْ ذَكَر التشبيكَ أراد المبالغةَ في الضمِّ، وإلا فالتشبيكُ ممنوعٌ حتى في الإتيان إلى الصلاة أيضًا. ثم البدنُ كما ينتقلُ من الوقوف إلى الركوع بدون فِعْل، كذلك النظر يحكم أن يكون حكم اليدين، فينبغي أن لا يكونَ لهما فِعْلٌ عند الذهاب إلى الركوع، وكذلك في القيام من الركوع حيث لا تكبير فيه ليلزم الرفع، ولا فِعْلَ جديد بل هو عَوْدٌ إلى القيام السابق، فدلَّ على نَفْي الرَّفع عند القيام أيضًا. ثُمَّ البدنُ يخرّ ساجدًا فاليدان أيضًا تسجدان. وفي الحديث ما يدلُّ على أنه ينبغي أن يكونَ السجودُ على سبعةِ آرابِ. ثُمَّ البَدنُ يدخلُ في القعدة، واليدان أيضًا تتبعه، وقُعودهما بَوضْعِهما على الفَخذين ثُمَّ البدنُ يلتفتُ يمينًا وشمالا فتتحرك معه اليدان أيضًا، لأن السلام أيضًا في القديم كان بالإِثارة وإِنْ نُسخ فيما بعد واكتُفي بالتسليم فبهذا النظرُ يؤيدُ نَفْي الرَّفْعَ عند الذَّهاب إِلى الركوع والقيام منه كليهما. ومِن ههنا تبيَّن أن لليدين أيضًا شُغلًا في الصلاة، وليس =

<<  <  ج: ص:  >  >>